الدُعاء
ومن العوامل المهمة التي تُهيّئ وتُعِد العبد بأن يحظى ويكرم بالتوفيقات الإلهية هو عامل الدعاء والتضرع إلى الساحة القدسية.
فالعبد بدعائه يتوجه الى الرحمة والفيض والجود والكرم المطلق والذي لا يعز عليه شيء ولا تنقص خزائنه لأنه غني بذاته، ثم إن الدعاء مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى، ويظهر حالة العبد من الحاجة والفقر والذلة والمسكنة والضعف والإقرار بالعبودية لله تعالى ..الخ.
وبما ان المنح والعطايا والمواهب سواء كانت معنوية او المادية بيد الله تعالى فالدعاء عامل ناجع وسلاح فعّال للتوفيق والتسديد لاستنزال تلك النعم الربانية مع بقاء عامل الحكمة في ذلك فليس كل من طلب ودعا وجد ونال مبتغاه فربما يصرف ويمنع عنه ما يبتغيه رحمة به او تبطئ عنه الاجابة لحكمة هو يجهلها (فَاِنْ أَبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ..) وعن الزهراء (سلام الله عليها) (من أصعد الى الله خالص عبادته أهبط الله عزوجل له أفضل مصلحته ([1]).
ولكن المهم أن يبقى العبد في ديمومة الدعاء والتضرع وأن لا يسمح لداء اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى ان يدب الى قلبه .
روي عن ميسر بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا ميسر ادع ولا تقل: إن الامر قد فرغ منه، إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبدا سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئا فسل تعط، يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه)(2) وعنه (عليه السلام) قال ( أعلم الناس بالله سبحانه اكثرهم له مسألة)(3).
وإن الدعاء بنفسه من مصاديق العبادة فإذا لم ينل الداعي ما يصبو إليه لأي سبب كان فثواب الدعاء مصون عند الله بلطفه ورحمته.
وان من اعظم التوفيقات الالهية التي يُحبى بها العبد بان يوفق للتوبة وينال العفو والصفح الإلهي بعدما كان مستحقا للعقاب وحرمانه من لطفه وعنايته ورحمته الخاصة في أي مستوى من مستوياتها فلذا يأتي دور الدعاء والتوسل والتضرع الى الله تعالى كشفعاء لأجل ان يحظى بالتوفيق بقبول توبته، والعفو عن ذنبه، والتجاوز عن خطيئته، ولكي تعود المياه الى مجاريها ويرتوي العبد من تلك الألطاف الالهية ببركة الدعاء ومن الأمثلة القرآنية في هذا الصدد قوله تعالى ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ([4]).
فياتي التوفيق والتسديد الإلهي لعبده بقبول توبته، ولترفع عنه الكاهل العناء والمشقة والقلق وهو قوله تعالى ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (5).
وموقف آخر قوله تعالى ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ(6) وقوله تعالى ( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (7).
ومن نعم الله العظيمة والتي قلمّا يلتفت اليها الشخص بان الله تعالى قد جعل باب الدعاء مفتوحا على مصراعيه ومن دون حجاب وواسطة بينه وبين عباده وفي الحديث (ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء))([8])
روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمّ ركوعهما وسجودهما ، ثم سلّم وأثنى على الله عزَّ وجلّ وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سأل حاجته ، فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب » (9).
بل حثّ ورغّب عباده على الدعاء والالتجاء إليه في إجابة المضطر وكشف السوء كقوله تعالى ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (10)
وقوله تعالى ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (11) وقوله تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (12)
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل العبادة الدعاء، فإذا أذن الله للعبد في الدعاء فتح له باب الرحمة، إنه لن يهلك مع الدعاء أحد ([13])
ومن اثاره العظيمة التوفيقية ما ورد عن اهل البيت ( عليهم السلام )أنه يدفع البلاء والمكروه ويشفي الداء ويدر الرزق روي عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض.(14)
وعنه صلى الله عليه وآله: ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدعاء. (15)
روي عن الرضا عليه السلام أنه كان يقول لأصحابه: عليكم بسلاح الانبياء، فقيل: وما سلاح الانبياء؟ قال: الدعاء.(16).
وروي عن الإمام علي (عليه السلام): ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، للبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلى التلعة إلى أسفلها، ومن ركض البراذين. (17)
وروي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ((الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل)) (18) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ((عليك بالدعاء فإن فيه شفاء من كل داء))([19]) قال الاِمام الصادق عليه السلام : «دعاء المرء لاَخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزق ويدفع المكروه .(20) .
1- ميزان الحكمة ج 2ص 882
2- الكافي ج2ص467
3- ميزان الحكمة ج3ص1888
4- الأعراف 23
5- الاعراف 37
6- ا لأنبياء 88
7- التوبة اية 118
8- البحار ج90ص 294
9- الكافي 32ص 478
10- النمل اية 62
11- البقرة اية 186
12- - الفرقان 77
13- ميزان الحكمة ج ٢ ص ٦
14- نفس المصدر
15- الكافي ج 2ص 468
16- نفس المصدر السابق
17- بحار الانوار ج90ص 289
18- الكافي ج2ص 469
19- نفس المصدر س 470
20- ميزان الحكمة ج 2 ص 887
تعليقات