التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

اليأس والقنوط من رحمة الله

في هذا الباب عدة بحوث:
البحث الاول : اليأس والقنوط من رحمة الله :
اليأس والقنوط : بمعنى ان ييأس العبد ويقنط من رحمة الله تعالى في قبول توبته ، وكفران ذنبه ، والعفو عما سلف من عظيم جريرته ،  وقبيح فعله ، فالاعتقاد بهذه الفكرة المهلكة وربط القلب عليها تُعد من الذنوب الكبيرة ، حيث ورد النهي من الشارع المقدس عنهما والذم لمن تلبّس بهما قال تعالى (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ).1 وعن النبي (صلى الله عليه وآله): يبعث الله المقنطين يوم القيامة مغلبة وجوههم ، يعني غلبة السواد على البياض ، فيقال لهم : هؤلاء المقنطون من رحمة الله .2
المقاييس الخاطئة :
في كثير من الاحيان يقيس الانسان الاشياء حسب منظاره وعقله المحدوديْن فيحكم بالجواز في مورد لا جواز فيه وما به ترخيص يحكم بعدم الترخيص حسب ما يحمل من مقاييس خاطئة وأفكار ضيقة  .
فمن تلكم المقاييس الخاطئة التي وقع فيها جملة من الناس بالاشتباه انهم حينما ينظرون الى كثرة ذنوبهم ومعاصيهم واسرافهم في الآثام خلال السنوات المتطاولة التي قضوها وهم يتلذذون بالموبقات والآثام فلم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا واجترحوها ولا باب معصية إلا وقد ولجوه ،فيظنون ان توبتهم لا تقبل وان ذنوبهم لا تغفر وان مصيرهم الى الجحيم ولا تنفعهم شفاعة الشافعين ، فيّخيم عليهم اليأس والقنوط من رحمة الله الواسعة وينعدم عندهم الرجاء والأمل .
فهؤلاء معذبون قبل ان يُعّذبوا وميتون قبل ان يموتوا قد وقعوا تحت تخدير وتسويل ابليس الملعون وآفة الجهل المركب قد اطلقوا على انفسهم رصاصة الموت حينما اغلقوا على انفسهم ابواب الرحمة والرجاء .
رحمة الله الواسعة:
ان من اعظم النعم والمنح الالهية المفاضة على عباده والتي يعجز المرء عن تحصيل شكرها وأداء حقها ان الله تعالى كتب على نفسه الرحمة قال الله ( قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ .3
ومن تلك الرحمة انه تعالى وعد المسرفين في الذنوب والمعاصي ان يغفرها لهم جميعا فقال سبحانه : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )4
بل زاد في العطاء والتفّضل بان يُبّدل سيئاتهم حسنات قال تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )5 وعن علي (عليه السلام): التوبة تطّهر القلوب وتغسل الذنوب .6
فهذه رحمة الله الواسعة مشرعة ابوابها امام عباده لمن اراد ان يدخلها وينال من فيضها فلماذا يغلق المرء ابواب الرحمة على نفسه بسوء اختياره وسفالة عقله ؟؟؟ فعن الامام علي (عليه السلام): لا تيأس لذنبك وباب التوبة مفتوح.7
في عرفنا الاجتماعي: لو كان هناك حاكم شديد الاخذ والسطوة فيقوم احد الجهلة بالتعدي والتجاوز على قوانينه وأحكامه غير عابئ بسطوته وجبروته فلا يترك جريمة إلا اتاها ولا جناية إلا ارتكبها معرضا نفسه الى العقوبة والمسائلة ، ولكن مع هذه الافعال الشنيعة والأعمال القبيحة نرى الحاكم فاتحا بابه للعفو والتجاوز ويدعو الظالم والمتجاوز ان لا يحزن ولا يخاف فيوجد أمل لإسقاط الحق ! يوجد رجاء للعفو عن الاساءة ! تفضلا منه ورحمة !! ولكن مع هذا العرض المغري الذي لا يرفضه ذو لب يعرض الجاني عنه !! محتجا ان توبتي لا تقبل وذنوبي لا تغفر لأنها كثيرة وشنيعة !!معرضا نفسه الى الهلاك والتلف بسبب جهله برحمة الحاكم ورأفته برعيته ، فلا شك ان هذا التصرف الصادر من هذا الجاهل يكون عرضة لامتعاض الناس منه وإيقاع النفس في التهلكة .
إذاً فرحمة الله لا تقاس بكثرة الذنوب ونوعها فرحمته الله اجّل وأعظم من ان تحدها الحدود كالذنوب والمعاصي فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ، ثم قال : إن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ، ثم قال : إن الشهر لكثير من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته ، ثم قال : إن الجمعة لكثيرة من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته ، ثم قال: إن اليوم لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته .8
وفي مقطع من دعاء سيد الساجدين علي بن الحسين سلام الله عليه يتعرض الى السحرة فرعون وكيف ان الله تعالى انقذهم من وضعهم المأسوي من الكفر والشرك ومحاربة الله ورسوله فاقبلوا على الله تعالى ولم يسلطّوا اليأسَ والقنوطَ على قلوبهم قال سلام الله عليه ( يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ ، وَقَدْ غَدَوْا في نِعْمَتِهِ يَأكُلُونَ رِزْقَهُ ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ)2 وقال الله تعالى حاكيا عنهم (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) .9
فالطمع من رحمة الله ومغفرته لم ينعدم من قلوبهم مع ما أتوه من الذنوب الكبيرة كما بيّنه الامامُ سلام الله عليه في دعائه .
وفي البحار ( وكان الزهري عاملا  لبني امية فعاقب رجلا فمات الرجل في العقوبة فخرج هائما وتوحّش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين ، قال : وحج علي بن الحسين عليه السلام فأتاه الزهري فقال له علي بن الحسين عليه السلام : إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بدية مسلمة إلى أهله، واخرج إلى أهلك ومعالم دينك ، فقال له : فرجت عني يا سيدي ! الله أعلم حيث يجعل رسالاته ورجع إلى بيته ، ولزم علي بن الحسين ، وكان يعد من أصحابه ، ولذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ما فعل نبيك ؟ يعني علي بن الحسين عليه السلام .10
فالإمام سلام الله عليه يقول له: ان خوفي عليك من القنوط واليأس بدرجة ان ذنبك الذي تخافه والذي اوصلك الى ما انت عليه لا اخافه بقدر ما اخاف عليك من قنوطك من رحمة الله الواسعة .
وعن امير المؤمنين عليه السلام : لا تؤيسنّ مذنبا فكم عاكف على ذنبه ختم له بالمغفرة و كم مقبل على عمل هو مفسد له ختم له في آخر عمره بالنار .11
ان الاعراض عن رحمة الله وابقاء داء القنوط واليأس يدّب في النفس ليطفئ نور القلب ويجعله كالصخرة الصّماء التي تصمّ عن السماع ، واذا تحّجر القلب وقسا صار وجوده كعدمه باعتبار ان القلب له وظائف عديدة فقسوته يعني اماتته ،، طبعا هذا في حال
الاعراض الكلي عن العودة الى الله تعالى وإلا في حال التوبة ينتعش القلب من جديد كالأرض الهامدة عند نزول الغيث تنتعش بالحياة قال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَاأَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)12 وقال سبحانه ( او من كان مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) 13وعن علي (عليه السلام):التوبة تطهر القلوب وتغسل الذنوب .14
البحث الثاني : اليأس من تغير البلاء    
توجد مسالة مهمة تندرج تحت عنوان اليأس ومن مصاديقها الموجودة والسارية عند بعض الناس هي الظروف والأوضاع الصعبة التي يعيشها كثير من الناس كالفقر المحدق وانعدام الامان والأمراض وغيرها .
ان وجود هذه الظروف الصعبة وخاصة مع بقاءها ردحا من الزمن تولّد حالة من القنوط واليأس في قلوب جملة من الناس بسبب عدم تغيرها وكأن لسانهم الحالي والمقالي يقول: بان بلاءهم لا رخاء بعده وان فقرهم لا انقطاع له وان داءهم لا دواء له كما كان حال قوم موسى عليه السلام عندما شكَوا له بلائهم قال تعالى حاكيا عنهم  (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ .15
 ان هذا الحال يكشف عن امر مستبطن وهو عدم الرضا بالبلاء وبالحكمة الالهية القاضية بالاختبار والتمحيص قال تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )16
ومن جهة اخرى يكشف ان القنوط واليأس يدب في قلوب هؤلاء من حيث  يشعرون او لا يشعرون  .
اما الاول: اي وجود الفقر والمرض لا يعني انعدام المصلحة فما اكثر ما يسعى الانسان لأجله ويتمنى حيازته وتحصيله ولكن لو ناله لكان فيه العطب والهلاك قال تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) 17
وفي وصية امير المؤمنين لابنه الامام الحسن عليهما السلام ( ... فَلاَ يُقْنِطَنَّكَ إِبْطَاءُ اجَابَتِهِ فَإِنَّ اَلْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ اَلنِّيَّةِ وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ اَلْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ اَلسَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ اَلْآمِلِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ اَلشَّيْ ءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ.18
ثم ان التجربة قد اثبتت ان كثيرا من الناس في حال غناهم وترفهم يزيغون عن الصراط فيطغون في البلاد ويكثرون فيها الفساد قال تعالى (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . 19وقال  سبحانه ( كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى ) ناهيك عن الامراض الاخرى التي يُصاب بها كثيرٌ من الناس في غناهم كالكبر والزهو والعجب فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : جاء رجل موسر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نقي الثوب فجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)  فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أخفت أن يمسك  من فقره شئ ؟ قال : لا ،قال : فخفت أن يصيبه من غناك شئ ؟ قال : لا، قال : فخفت أن يوسخ ثيابك ؟ قال: لا ؟ قال: فما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن، وقد جعلت له نصف مالي، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للمعسر: أتقبل ؟  قال: لا، فقال له الرجل :لِمَ ؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك .20
اما الثاني : فان اليأس والقنوط الذي يعشش في القلب لا يتوافق مع ايمان المؤمن فالإيمان شعلة مضيئة تطغي على كل ساحة قلب المؤمن فلا تدع حيزا ومنفذا لهذا الداء وغيره ان ينفذ ويتوغل في القلب ، فنور الايمان يدعو الى الثقة بالله وحسن الظن به والصبر على مكاره البلاء وانه تعالى يُبدل الخوف أمنا والضيق فرجا والمرض عافية والفقر غناَ   .. قال سبحانه (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) .21
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): إنما يجئ الفرج على اليأس ). 22
ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها مخرج * كملت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج.23
وان خيره مبسوط وكرمه مغدق على عباده قبل ان يتوجهوا اليه بالسؤال ومن روائع المقاطع المعرفية لأدعية الامام الحسين يقول صلوات الله عليه : واَنْتَ الْبادئ بالإحسان قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعابِدينَ ، وَاَنْتَ الْجَوادُ بِالْعَطآءِ قَبْلَ طَلَبِ الطّالِبين .24
وان باب فضله مفتوح لمن طرقه قال تعالى (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا .25
ودعوة المضطر مستجابة قال سبحانه(أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) وفي زيارة امين الله المعروفة (وأصواتَ الدَّاعين إليك صاعدةٌ وأبواب الإجابة لهُم مُفتَّحةٌ ودعوةَ من ناجاكَ مُستجابةٌ )26
فهذه الشواهد والدلائل تُبّين بوضوح ان كرم الباري يتجلى على عباده في كل آن ومكان وان المصائب والشدائد والإعسار مهما كانت مستحكمة وظن صاحبها لا فرج منها فلا بد ان تأتي ساعة الفرج ويتنفس فيها الصعداء ويفتح له ابواب الفرج .
اذاً لا داعي ان يعشش القنوط في القلب فينعدم الرجاء والأمل بالله تعالى، وان تعليل الشخص بان الظروف صعبة لا تتبدل ولا تتغير فهو تعليل لا يصمد امام الشواهد والدلائل التي ذكرناها آنفا   .
 وان ابقاء القلب مريضا بداء القنوط لا يقضي إلا على صاحبه قال تعالى ( مَن كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ )27
البحث الثالث : اليأس عمّا في ايدي الناس :
في هذا البحث يُعدّ اليأس من الفضائل والمكرمات لا من الرذائل والمحقرات وهو : ان يزهد المؤمن عمّا في ايدي الناس ويقطع دابر الاطماع فيما عندهم وان سعيه خلف متاع الدنيا وزهرتها وابتغاء ما عند الناس ينافي روح المؤمن الشامخة فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من نظر إلى ما في أيدي الناس، طال حزنه ودام أسفه.28
وعن الامام السجاد عليه السّلام: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي النّاس).29
وان السعي وراء الاطماع والعكوف على اعتاب الناس بغية اقتناص ما في ايديهم يخالف اخلاص المؤمن بضرورة انحصار الطلب والتوجه الى الباري عز وجل في نيل الحوائج والمقاصد وكشف البلايا والنوائب قال علي عليه السلام (أول الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس ) .30
وهنا ينبغي ذكر مسالة جدّ مهمة وهي :ان العلقة والتواصل والمواساة والزيارات.. مع الاخرين يجب ان تكون بعيدة  كل البعد عن المصالح والمنافع والمطامع الدنيوية فهذه الاغراض والنوايا تصطدم مع روح الاخلاص والايمان قال سبحانه ( وتواصوا بالحق) 31فتحرك العبد لغرض الاطماع يكون خارج عن دائرة الحق .
فبعض من الناس يعلم بنواياه ودوافعه التي تدفعه نحو الحركة والانبعاث لتشكيل العلاقات وايجاد الروابط مع الاخرين فقد تكون لله سبحانه وقد لا تكون !! ولكن البعض يحتاج الى الغور الى بواطن النفس وغربلة كوامنها الخامدة تحت الرماد لمعرفة تواصيه مع الاخرين هل هي توافق الحق ام تخالفه ؟ هل علاقته مع من حوله هل تصّب في مصلحة الاخرة ام في مصلحة دنياه ؟
ومن خلال عملية التشخيص لكوامن النفس وغربلة مقاصدها سيقف الفرد على حقائق عجيبة ومسائل وقضايا مؤلمة قد بذل الجهد الكبير لأجلها ولكنها كانت مشوبة بالمطامع والمنافع الدنيوية .
ومن المؤسف ان اقول: ان هذا المرض الخطير مستفحل بدرجة كبيرة في مجتمعنا الاسلامي بحيث انك ترى المصالح والمنافع الدنيوية هي وقود التواصل والعلاقة وان حاجة المحتاج وهي من اشرف الاعمال وأحبها الى الله تعالى لا تُقضى الا بدفع ضريبة دنيوية إزاءها ، نعم هذا هو واقعنا المرير . 
وان تكرمة الانسان نفسه امر دعت اليها الفطرة الانسانية والأخلاقية والشرائع السماوية وان كل مسلك وطريق يكون سببا في ايقاع النفس في الذلة والاهانة يجب تركه وان درّت عليه متع الحياة فما اكثر الذين يتوسلون بالوسائل الوضيعة والدنيئة طلبا لأطماع النفس ورغباتها الحيوانية فلا يكترثون بكرامتهم وعزتهم فيرضون بالتصغير والتحقير طمعا بمتع الدنيا .
فالحري بالمؤمن ان يتعالى عن ارضاخ نفسه لهذا وذاك قاصدا ما عنده وان يتحلى بعلو الهمة وعزة النفس والغنى والقناعة فتعلق القلب عما في ايدي الناس يجعله مذهولا ومشغولا عن قبلته ومقصوده الحقيقي قال عز وجل (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ .32
عن النبي (صلى الله عليه وآله) : واعلم أن شرف الرجل قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس ) 33 وعن الإمام الصادق (عليه السلام): اليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن في دينه .34

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه : وعزتي وجلالي لأقطعن أمل كل مؤمل غيري بالإياس ولأكسونه ثوب المذلة في النار ولابعدنه من فرجي وفضلي ، أيؤمل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي ؟ أو يرجو سواي وأنا الغني الجواد، بيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني ! ألم يعلم أنه ما أوهنته نائبة لم يملك كشفها عنه غيري ! فما لي أراه بأمله معرضا عني ، قد أعطيته بجودي وكرمي مالم يسألني فأعرض عني ولم يسألني ، وسأل في نائبته غيري وأنا الله أبتدئ بالعطية قبل المسألة ، أفسال فلا اجيب ؟ ! كلا، أو ليس الجود والكرم لي ؟ أوليس الدنيا والآخرة بيدي ؟ فلو أن أهل سبع سماوات وأرضين سألوني جميعا فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة ، وكيف ينقص ملك أنا قيمه ، فيا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني.35

1- سورة الحجرة اية 56
2- ميزان الحكمة ج 8 ص 356 
3- الانعام اية 12
4- سورة الزمر اية  53
5- الفرقان اية 71
6- غرر الحكم ص 127
7- ميزان الحكمو ج8 ص 356
8- مشكاة الانوار ص 84
9-  مفاتيح الجنان 
10-  الشعراء اية 51
11- مستدرك الوسائل ج 18 ص 158
12- غرر الحكم ح 1  ص181
13- الانعام اية . 122
14- غرر ج 1 ص  127
15-سورة الاعراف اية 129
16- سورة البقرة اية  214
17- سورة البقرة اية 216
18- الفجر اية 11
19 - سورة العلق اية 6
20 - نهج البلاغة ج 3 ص  34
21- حلية الابرار ج 1 ص257
22 - الاشراح اية  5
23- ميزان الحكمة ج 1 ص 180
24- مفاتيح الجنان
25- سورة النساء اية 32
26- سورة النمل اية 62
27- مفاتيح الجنان 
28- سورة الحج اية  15
29- ميزان الحكمة ج 2 ص  147
30 -  نفس المصدر
31- نفس المصدر 
32-  سورة العصر اية  3 
33-  سورة ال عمران اية 189
34- ميزان الحكمة ج11 ص 411
35- نفس المصدر 
35-ميزان الحكمة الريشهري ج 11 ص 351


تعليقات

المتابعون

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حرز الامام الجواد عليه السلام هو نافع لدفع شر الجن والانس والحسد والشرور الكثيرة

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ قَاهِرَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ خَالِقَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ مَالِكَهُ كُفَّ عَنَّا بَأْسَ أَعْدَائِنَا وَ مَنْ أَرَادَ بِنَا سُوءاً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ أَعْمِ أَبْصَارَهُمْ وَ قُلُوبَهُمْ وَ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ حِجَاباً وَ حَرَساً وَ مَدْفَعاً إِنَّكَ رَبُّنَا لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ رَبَّنَا عَافِنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ‏ آخِذٌ بِناصِيَتِها وَ مِنْ شَرِّ مَا يَسْكُنُ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَ إِلَهَ الْمُرْسَلِينَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجْمَ

احاديث اهل البيت في النفاق

نقلا عن كتاب ميزان الحكمة لريشهري   الإمام علي (عليه السلام) : النفاق يفسد الإيمان .  عنه (عليه السلام): النفاق أخو الشرك. - عنه (عليه السلام): النفاق توأم الكفر ). -  رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن النفاق يبدو لمظة سوداء، فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب . النفاق شين الأخلاق  -  الإمام علي (عليه السلام) : النفاق شين الأخلاق. - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا، وباطنا منافقا! . - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين! . - عنه (عليه السلام): الخيانة رأس النفاق . علة النفاق    الإمام علي (عليه السلام) : نفاق المرء من ذل يجده في نفسه . - عنه (عليه السلام): النفاق من أثافي الذل . - عنه (عليه السلام):  الكذب  يؤدي إلى النفاق . صفة  المنافق   -  الإمام علي (عليه السلام) :  المنافق  لنفسه مداهن، وعلى الناس طاعن . - عنه (عليه السلام):  المنافق  قوله جميل، وفعله الداء الدخيل . - عنه (عليه السلام):  المنافق  لسانه يسر، وقلبه يضر . - عنه (عليه السلام):  المنافق  وقح غبي، متملق شقي . - عنه (عليه السلام):  المنافق  مكور مضر

دُعاء القدحِ عظيمُ الشأنِ مكتوب

  دُعَاءُ الْقَدَحِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ وَ بِاسْمِهِ الْمُبْتَدَإِ رَبِّ الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى لَا غَايَةَ لَهُ وَ لَا مُنْتَهَى رَبِّ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ. لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ. وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفىٰ اللَّهُ عَظِيمُ الْآلَاءِ دَائِمُ النَّعْمَاءِ قَاهِرُ الْأَعْدَاءِ [رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ] عَاطِفٌ بِرِزْقِهِ مَعْرُوفٌ بِلُطْفِهِ عَادِلٌ فِي حُكْمِهِ عَالِمٌ فِي مُلْكِهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ رَحِيمُ الرُّحَمَاءِ- عَالِمُ الْعُلَمَاءِ صَاحِبُ الْأَنْبِيَاءِ غَفُورُ الْغُفَرَاءِ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَاحِدِ الْحَمِيدِ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَ سَابِقِ الْأَسْبَاقِ وَ رَازِقِ الْأَرْزَاقِ وَ خَالِقِ الْأَخْلَاقِ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ مُقَدِّرِ الْمَقْدُورِ وَ قَاهِرِ

بحث حول النفاق

النفاق : هو ان يظهر الانسان شيئا حسنا من عمل او فعل او قول بخلاف ما يضمره في باطنه فالمنافق له حالتان حالة ظاهرية توافقية مع الناس وحالة باطنية تغاير ظاهريته ، وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذا المعنى بقوله( ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا و باطنا منافقا 1 . وهذه الازدواجية في التعامل ناشئة من دواعي كثيرة في نفس المنافق سيأتي الحديث عنها لاحقا ان شاء الله تعالى . والنفاق تارة يكون في العقيدة كأن يظهر المنافق الإيمان بأصول الدين كالتوحيد والمعاد والنبوة ويظهر التزامه بفروع الدين كالصلاة والصوم ولكنه باطنه يخادع الله ورسوله والناس وما يخادع إلا نفسه قال تعالى ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) 2 وقوله تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ( 142 ) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا

بحث حول ( اهمية التوبة )

إن التوبة كالماء الذي ينزل من السماء على الارض الميتة فيكسوها الحياة بعد الممات وكذا القلب التائب بعد أن هيّأ ارضية قلبه -من خلال الندم والتوبة والاستغفار - بأن تكون خصبة صالحة للتطهير والتزكية ما ان تنهمر على قلبه سحائب الرحمة ومفاتيح الرأفة فتحي القلب بالحياة بعد الممات والنور بعد الظلمات واليقظة بعد الغفلة والسبات.  فالقرآن الكريم يِعدّ الغارق في مستنقع الذنوب والكنود انه ميت الأحياء وأنه في ظلمات ليس بخارج منها إلا بالأوبة والنزوع عن الحوبة قال تعالى ( أ َوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ . 1 فالتوبة هي رجوع العبد إلى دوحة الرحمة والعفو والغفران مما فرّط في حق ربه من الذنوب والعصيان ، وأن فتح باب التوبة أمام عباده العاصين وقبولها لهي من أعظم النعم والمنح النازلة من فيض رحمته الواسعة على عباده التائبين روي عن الإمام علي (عليه السلام): من تاب تاب الله عليه وأمرت جوارحه أن تستر عليه، وبقاع الأرض أن تكتم عليه، وأنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه 2 . وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سمعه معاوية بن وهب يقول : إذا تاب الع

بحث حول لقمة الحرام وتاثيرها على قلب المؤمن

لا شك ان هناك علائق وروابط بين الامور المادية والمعنوية بحيث نلاحظ تأثير أحدهما على الآخر فانشراح القلب وانبساطه عامل دفع ومحرك نحو العمل وضيق الصدر وقسوته وظلمته عامل مثّبط للعمل  . وكذلك الكلام في مسالة لقُمة الحرام وتاثيرها الفاعل في تلويث القلب وما لها من الآثار الوضعية على القلب بحيث يعمى القلب عن رؤية الحق واستماع للحق واتباع الحق ومثقلة للعبادات وسالبة للتوفيق   ومن الإشارات إلى هذه النكتة كلام الإمام الحسين عليه السلام مع جيش ابن سعد قبل أن يلتقي المعسكران قال سلام الله عليه ((... وَيْلَكُمْ ما عَلَيْكُمْ اَنْ تَنْصِتُوا اِلَيّ فَتَسْمَعُوا قَوْلي وَاِنَّما اَدْعُوكُم الى سَبيلِ الرَّشادِ فَمَنْ اَطاعَنِي كانَ مِنَ الْمُرْشَدِينَ وَمَنْ عَصانِي كانَ مِنَ الْمُهْلَكِينَ وَكُلُّكُمْ عاصٍ لأمري غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِقَوْلي قَدِ انْخَزَلَتْ عَطِيّاتُكُمْ مِنَ الْحَرامِ وَمُلِئَتْ  بُطُونُكُمْ مِنَ الْحَرام فَطَبعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيْلَكُمْ اَلا تَنْصِتُونَ اَلا تَسْمَعُونَ؟... تَبّاً لَكُمْ اَيَّتها الْجَماعَةُ وَتَرَحاً .  1 ولقد ضرب القرآن الكريم نموذجا عن المرابي الذي