التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

بحث حول ( طول الامل )


إن طول الأمل من أبرز العوامل المؤثرة في إطفاء نورانية القلب ،وان الفرد كلما زاد توغلا وتعلقاً وتثبّتاً وولعاً بزخارف الدنيا الفانية أدى أثره السلبي الذي لا مناص منه في قساوة القلب و أعماه عن رؤية الحق ونسيان ذكر الله والتزود ليوم الآخر ولذا ورد التحذير الشديد من طول الأمل فقد جاء في الخبر ( فيما ناجى الله عز وجل موسى(عليه السلام : يا موسى ، لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك، والقاسي القلب مني بعيد .1
ان اصحاب القلوب والمعرفة يعدون البُعد عن الله سبحانه من أشد العقوبات المعنوية على العبد لأن في البعد تنقطع العنايات الخاصة والالطاف الالهية والعبد في حال كونه مطيعا خائفا ملتزما لا يستغني عن سحائب الرحمة ومفاتيح التوفيق فكيف إذا أدبر موليا عنه ( ولم يُرِد إلا الحياة الدنيا ) ؟
والعبد هو فقير وضعيف في كل أحواله فلا يستطيع ان ينال الكمالات والدرجات القرب والمنى إلا بفضل الله ورحمته ، وان طول الأمل في الدنيا موجب لقساوة القلب والقساوة تعني البعد عن الفيض والتسديد الإلهي.
وهذا البعد والحجاب الذي تحقق بإرادة العبد في تحجّر القلب له انتكاسة وعقوبة مادية ومعنوية دنيوية وأخروية قال تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ
وفي ادعية الائمة المعصومين عليهم السلام توجد مقاطع كثيرة تدّل على الاستعاذة والالتجاء الى الله تعالى خشية البعد والطرد من جنابه تقدست آلاؤه فمن تلك الادعية (إلهِي أَتَراكَ بَعْدَ الاِيْمانِ بِكَ تُعَذِّبُنِي، أَمْ بَعْدَ حُبِّي إيَّاكَ تُبَعِّدُنِي) ٣.(وَلا تَقْطَعْنِي عَنْكَ ، وَلا تُبْعِدْنِي مِنْكَ يا نَعِيمِي وَجَنَّتِي ، وَيا دُنْيايَ وَآخِرَتِي ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.) ( وَبِجَنابِكَ اَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْني ،وَبِبابِكَ اَقِفُ فَلا تَطْرُدْني ..) .
وإن من ينظر ويتدبر في تقلّب وتغيّر أحوال أهل الدنيا من حال الى  حال كيف له أن  تطاوعه نفسه بالاطمئنان بكيدها وغدرها والرضا بها دارا ؟ .
إن طول الأمل بالعيش الرغيد بعالم الطبيعة يجعل قلب العبد غافلا عن سهام الدهر الذي لا تخطأ رميته حيث يرمي الصحيح بالسقم والحي بالموت والعزيز بالذل والمهانة وناهيك عن احوال يوم القيامة وما فيها المواقف التي لا مفر من مواجهتها فعن الإمام علي (عليه السلام): من أيقن أنه يفارق الأحباب ويسكن التراب ويواجه الحساب ويستغني عما خلف ويفتقر إلى ما قدم ، كان حرياً بقصر الأمل وطول العمل
وان القلوب اذا ما تغيرت عن مسارها الصحيح اخذت بالاستئناس والتعلق بذلك الشيء فيجّند المرء بعد هذا الانُس و العشق قواه بالدفاع عن كل قوة وارادة تحاول ثنيه عن معشوقه ومطلوبه الذي يراه الكمال المطلق فيرفض كل دعوة وإصلاح تقف امام رغباته وان كان الداعي إلى ذلك الشيء عظيما شريفا وقد ذكر القرآن الكريم شواهد كثيرة عن أنبياء الله الذين جوبهوا بالرفض والعناد كقوله تعالى (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ٥ وقال سبحانه * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ .٦
وهذا المعترك والمنحدر الخطير ما كان ليحدث لولا انصباب قلب العبد على الدنيا وجعلها مسكنا ومقرا وعزوفه عن الآخرة قال تعالى:(ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ٧.وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): أعمى العمى عمى الضلالة بعد الهدى، وشر العمى عمى القلب ).٨ وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إنما الأعمى أعمى القلب * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). ٩
إذن أن المرء إذا ما اتبع شهواته وأهوائه النفسية بسبب طول الأمل وانصهاره بالملذات الحيوانية فإنه سيزيغ قلبه عن الهدى والحق وبالتالي ان ما يتلذذ به القلب ويستأنس به من جمال الطبيعة هي بالحقيقة نيران مستعرة وسوف تظهر تلكم الشهوات على شكل نيران تحرق القلب يقول تعالى عن تلك النار (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ .1٠
إن قسوة القلب وتلوثه بشهوات عالم الطبيعة ليست مسألة لهوية او مزاجية بل هي مسالة جدّ خطيرة ولها عواقب وخيمة على عاقبة العبد ، فهو انقلاب وزيغ عن الغاية والهدف الذي خُلق الإنسان من أجله ، فالإنسان حينما يعرض عن الله تعالى والآخرة يعني ذلك أنه علق وربط قلبه بمحور ومركز مغاير عن الهدف الصحيح وهذا المآل ما كان ليكون لولا نسيان الاخرة ونسيان الاخرة ما كان لتكون لولا وجود طول الامل .
عن سُليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين (ع) فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان : اتباع الهوى وطول الامل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الامل فينسي الآخرة ، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل .١١
( وروى ) أن اسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فقال : ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر ؟ ان اسامة لطويل الامل والذى نفسى بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت ان شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت طرفي وظننت انى خافضه حتى اقبض ولا لقمت لقمة إلا ظننت انى لا اسيغها اتحصر بها من الموت ثم قال يا بنى آدم ان كنتم تعقلون فعدوا انفسكم من الموتى والذى نفسى بيده إنما توعدون وما انتم بمعجزين .١٢
ثم إن قصر الأمل لا يعني ان يلقي الفلاح معوله والمعلم قلمه ويغلق البائع دكانه فهذا فهم لا ينسجم مع روح الاسلام الاصيل وقيمه النبيلة الذي يطالب الناس باستعمار الأرض والسعي في مناكبها إنما يدعو الى الاعتدال والوسطية والحركة قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ١٣وقال ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )١٤
إذن فطول الأمل يفتح نوافذ الشر على مصراعيه لمن آثر الحياة الدنيا على الآخرة فالمكب على متع الدنيا إذا ما سنحت له بارقة المعصية ولجها مسرورا مطمئنا لا يرى أية شائبة في عمله السيء ثم يزاد ولوجا وغيا في المعاصي والذنوب حتى يعلو القلبَ حجابٌ سميكٌ من الرين فحينها لا تكاد المواعظ تلقي ظلالها وعللها في التأثير على القلب لما أصابه من الأمراض المزمنة إلا أن يشاء الله تعالى .
نعم ان الباري عز وجل لا يغلق بابه أمام عباده فإن آب العبد عن المعصية آب الله عليه بالتوبة والغفران ومن طرق بابه وطلب حاجته لا يرده خائبا لان الكرم سمته والعفو صفته وفضله. 
ولكن في نفس الوقت على العاقل أن لا يسّّوف التوبة فالموت لا يأتي إلا بغتة يأخذ الحي على حين غرة وغفلة وإن التوفيق للتوبة ليس طريقا معبّدا للجميع فما أكثر الذين ماتوا ولم يحالفهم التوفيق للتوبة بل مات الكثير وهم مصرون على الذنوب ويعدون اعمالهم  الشيطانية مفخرة في حياتهم كالخوارج وقاتلي الحسين وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ومن لف لفيفهم .


١- أعلام الدين ج ١٤ ص ١٢
٢- سورة المطففين آية ١٥
٣- مناجاة الخائفين 
٤- ميزان الحكمة ج ١١ ص٤٢٥
٥- سورة هود آية ٥٤
٦- سورة الاعراف آية ٧٥
٧- سورة الاسراء آية ٧٢
٨- ميزان الحكمة ج ٨ ص ٣٢٧
٩- نفس المصدر 
١٠- سورة الهمزة آية ٦
١١- شرح أصول الكافي ج ١٩ ص ١٤٨
١٢- مشكاة الانوار ص ٦٦
١٣- سورة القصص آية ٧٧
١٤- سورة الاعراف آية ٣٢

تعليقات

المتابعون

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حرز الامام الجواد عليه السلام هو نافع لدفع شر الجن والانس والحسد والشرور الكثيرة

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ قَاهِرَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ خَالِقَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ مَالِكَهُ كُفَّ عَنَّا بَأْسَ أَعْدَائِنَا وَ مَنْ أَرَادَ بِنَا سُوءاً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ أَعْمِ أَبْصَارَهُمْ وَ قُلُوبَهُمْ وَ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ حِجَاباً وَ حَرَساً وَ مَدْفَعاً إِنَّكَ رَبُّنَا لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ رَبَّنَا عَافِنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ‏ آخِذٌ بِناصِيَتِها وَ مِنْ شَرِّ مَا يَسْكُنُ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَ إِلَهَ الْمُرْسَلِينَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجْمَ

احاديث اهل البيت في النفاق

نقلا عن كتاب ميزان الحكمة لريشهري   الإمام علي (عليه السلام) : النفاق يفسد الإيمان .  عنه (عليه السلام): النفاق أخو الشرك. - عنه (عليه السلام): النفاق توأم الكفر ). -  رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن النفاق يبدو لمظة سوداء، فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب . النفاق شين الأخلاق  -  الإمام علي (عليه السلام) : النفاق شين الأخلاق. - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا، وباطنا منافقا! . - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين! . - عنه (عليه السلام): الخيانة رأس النفاق . علة النفاق    الإمام علي (عليه السلام) : نفاق المرء من ذل يجده في نفسه . - عنه (عليه السلام): النفاق من أثافي الذل . - عنه (عليه السلام):  الكذب  يؤدي إلى النفاق . صفة  المنافق   -  الإمام علي (عليه السلام) :  المنافق  لنفسه مداهن، وعلى الناس طاعن . - عنه (عليه السلام):  المنافق  قوله جميل، وفعله الداء الدخيل . - عنه (عليه السلام):  المنافق  لسانه يسر، وقلبه يضر . - عنه (عليه السلام):  المنافق  وقح غبي، متملق شقي . - عنه (عليه السلام):  المنافق  مكور مضر

دُعاء القدحِ عظيمُ الشأنِ مكتوب

  دُعَاءُ الْقَدَحِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ وَ بِاسْمِهِ الْمُبْتَدَإِ رَبِّ الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى لَا غَايَةَ لَهُ وَ لَا مُنْتَهَى رَبِّ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ. لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ. وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفىٰ اللَّهُ عَظِيمُ الْآلَاءِ دَائِمُ النَّعْمَاءِ قَاهِرُ الْأَعْدَاءِ [رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ] عَاطِفٌ بِرِزْقِهِ مَعْرُوفٌ بِلُطْفِهِ عَادِلٌ فِي حُكْمِهِ عَالِمٌ فِي مُلْكِهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ رَحِيمُ الرُّحَمَاءِ- عَالِمُ الْعُلَمَاءِ صَاحِبُ الْأَنْبِيَاءِ غَفُورُ الْغُفَرَاءِ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَاحِدِ الْحَمِيدِ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَ سَابِقِ الْأَسْبَاقِ وَ رَازِقِ الْأَرْزَاقِ وَ خَالِقِ الْأَخْلَاقِ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ مُقَدِّرِ الْمَقْدُورِ وَ قَاهِرِ

بحث حول النفاق

النفاق : هو ان يظهر الانسان شيئا حسنا من عمل او فعل او قول بخلاف ما يضمره في باطنه فالمنافق له حالتان حالة ظاهرية توافقية مع الناس وحالة باطنية تغاير ظاهريته ، وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذا المعنى بقوله( ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا و باطنا منافقا 1 . وهذه الازدواجية في التعامل ناشئة من دواعي كثيرة في نفس المنافق سيأتي الحديث عنها لاحقا ان شاء الله تعالى . والنفاق تارة يكون في العقيدة كأن يظهر المنافق الإيمان بأصول الدين كالتوحيد والمعاد والنبوة ويظهر التزامه بفروع الدين كالصلاة والصوم ولكنه باطنه يخادع الله ورسوله والناس وما يخادع إلا نفسه قال تعالى ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) 2 وقوله تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ( 142 ) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا

بحث حول ( اهمية التوبة )

إن التوبة كالماء الذي ينزل من السماء على الارض الميتة فيكسوها الحياة بعد الممات وكذا القلب التائب بعد أن هيّأ ارضية قلبه -من خلال الندم والتوبة والاستغفار - بأن تكون خصبة صالحة للتطهير والتزكية ما ان تنهمر على قلبه سحائب الرحمة ومفاتيح الرأفة فتحي القلب بالحياة بعد الممات والنور بعد الظلمات واليقظة بعد الغفلة والسبات.  فالقرآن الكريم يِعدّ الغارق في مستنقع الذنوب والكنود انه ميت الأحياء وأنه في ظلمات ليس بخارج منها إلا بالأوبة والنزوع عن الحوبة قال تعالى ( أ َوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ . 1 فالتوبة هي رجوع العبد إلى دوحة الرحمة والعفو والغفران مما فرّط في حق ربه من الذنوب والعصيان ، وأن فتح باب التوبة أمام عباده العاصين وقبولها لهي من أعظم النعم والمنح النازلة من فيض رحمته الواسعة على عباده التائبين روي عن الإمام علي (عليه السلام): من تاب تاب الله عليه وأمرت جوارحه أن تستر عليه، وبقاع الأرض أن تكتم عليه، وأنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه 2 . وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سمعه معاوية بن وهب يقول : إذا تاب الع

بحث حول لقمة الحرام وتاثيرها على قلب المؤمن

لا شك ان هناك علائق وروابط بين الامور المادية والمعنوية بحيث نلاحظ تأثير أحدهما على الآخر فانشراح القلب وانبساطه عامل دفع ومحرك نحو العمل وضيق الصدر وقسوته وظلمته عامل مثّبط للعمل  . وكذلك الكلام في مسالة لقُمة الحرام وتاثيرها الفاعل في تلويث القلب وما لها من الآثار الوضعية على القلب بحيث يعمى القلب عن رؤية الحق واستماع للحق واتباع الحق ومثقلة للعبادات وسالبة للتوفيق   ومن الإشارات إلى هذه النكتة كلام الإمام الحسين عليه السلام مع جيش ابن سعد قبل أن يلتقي المعسكران قال سلام الله عليه ((... وَيْلَكُمْ ما عَلَيْكُمْ اَنْ تَنْصِتُوا اِلَيّ فَتَسْمَعُوا قَوْلي وَاِنَّما اَدْعُوكُم الى سَبيلِ الرَّشادِ فَمَنْ اَطاعَنِي كانَ مِنَ الْمُرْشَدِينَ وَمَنْ عَصانِي كانَ مِنَ الْمُهْلَكِينَ وَكُلُّكُمْ عاصٍ لأمري غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِقَوْلي قَدِ انْخَزَلَتْ عَطِيّاتُكُمْ مِنَ الْحَرامِ وَمُلِئَتْ  بُطُونُكُمْ مِنَ الْحَرام فَطَبعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيْلَكُمْ اَلا تَنْصِتُونَ اَلا تَسْمَعُونَ؟... تَبّاً لَكُمْ اَيَّتها الْجَماعَةُ وَتَرَحاً .  1 ولقد ضرب القرآن الكريم نموذجا عن المرابي الذي