التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

بحث حول ( الاعجاب بالنفس )


العجب : هو ان يشعر الفرد بحالة من الابتهاج والزهو بما خُوّلَ واعُطيَ ووفُقَ من النعم المادية او المعنوية  .
وعند النظر والتدبر الى هذا الداء والمرض الوبيل وهو الاعجاب بالنفس نصل الى سذاجة وحماقة المعجب بنفسه باعتبار محدودية الانسان ونقصه وضعفه وفقره وحاجته وكل سمات الفاقة هي مكتوبة على ناصيته وقد اوجزها امير المؤمنين عليه السلام بقوله : ما لابن آدم والعجب وأوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بين ذلك يحمل العذرة. 1
وكذا لو دققنا في جملة من الآيات المباركة والروايات الشريفة سنلاحظ التأكيد على العقل الجمعي ،لأجل تربية الامة على التواضع ، ونبذ الاستئثار بالرأي ولدفع النظرة الفردية ، وخوفا من الهبوط في وحل الاعجاب بالنفس ومن تلك الآيات قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) 2 وقوله تعالى (وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) 3 وقول امير المؤمنين عليه السلام : من شاور الرجال شاركها في عقولها ) 4 وعنه عليه السلام : اضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب . 5
فليس من العيب ان يجمع المرء عقول وأراء وأفكار الاخرين الى عقله وفكره بل القضية التي اريد حلها او علاجها والوصول الى النتيجة المطلوبة تكون اقرب للصواب والفلاح حينما تفزع عدة عقول اليها بخلاف المعجب بحنكته وفطنته وأفكاره فانه يستأثر بعقله وبرأيه دون الغير لأنه يرى عقله وفكره فوق الجميع .
الاعجاب دليل نقصان العقل :
ان المولى عز وجل دعانا الى السعي في تحصيل محاسن الاخلاق ومجانبة اضدادها ، والكمالات الخلقية هدفها اصطناعة الفرد الصالح الذي تتبلور فيه سمة العبودية في جميع حركاته وسكناته من الافتقار والمسكنة والتواضع وان يتجافى عن الاستعلاء والتعاظم والنظر الى النفس بأنها الهرم الاوحد في هذا المجال والاختصاص من دون منازع فان كل هذه الطبائع هي من الاوهام والخدع النفسية والشيطانية ومنافية للعبودية الحقة ، وان تحقير الاخر واستصغاره يدل على الانحطاط والضعة في الاخلاق ونقصان في العقل قال امير المؤمنين عليه السلام : إعجاب المرء بنفسه برهان نقصه وعنوان ضعف عقله.6
واما العبد الذي استنار بنور المعرفة والهداية ووقف على حقيقة نفسه وضعفها ومبغوضية آفة العجب عند ربه فقد تسربل بسربال التواضع والحياء وتجافى عن الاعجاب والظهور والعظمة قال امير المؤمنين عليه السلام : لا ينبغي لمن عرف الله أن يتعاظم .7
وفي عدة الداعي ( أن الله سبحانه أوحى إلى موسى ع إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه فجعل موسى لا يعترض [يعرض] أحدا إلا و هو لا يجسر [يجترئ] أن يقول إني خير منه فنزل عن الناس و شرع في أصناف الحيوانات حتى مر بكلب أجرب فقال اصحب هذا فجعل في عنقه حبلا ثم مر [جر] به فلما كان في بعض الطريق شمر الكلب من الحبل و أرسله فلما جاء إلى مناجاة الرب سبحانه قال يا موسى أين ما أمرتك به قال يا رب لم أجده فقال الله تعالى  وعزتي و جلالي لو   أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة .8
وان الواقف على كلام وأدعية اهل البيت (سلام الله عليهم اجمعين) يرى مدى تواضعهم واعترافهم بالفقر والمسكنة مع انهم عصارة الخليقة ولا يدانيهم ويجاريهم في علوهم وفضلهم احد لان المعرفة الالهية اخذت بمجامع عقولهم وأنارت بصائر قلوبهم فالعظمة والكبرياء لمن له العظمة والكبرياء فقد ورد من ادعيتهم كدعاء سيد الشهداء عليهم السلام ( اِلهي اَنَا الْفَقيرُ في غِناي فَكَيْفَ لا اَكُونُ فَقيراً في فَقْري ، اِلهي اَنَا الْجاهِلُ في عِلْمي فَكَيْفَ لا اَكُونُ جَهُولاً في جَهْلي ) 9 ومقطع اخر عن الإمام السجاد عليهم السلام ( وَما اَنَا يا رَبِّ وَما خَطَري ) 10
الاعجاب يهلك صاحبه :
ان الاعجاب المرء بنفسه يقيّد ويغّل النظر والفكر عن تقبّل واستيعاب الاخر فالذي يحصر نظره الى نفسه دون سواها فلا يترك مجالا للأخر ان يدانيه في عقله وأراءه فيرفض نظريات وافكار الاخرين فعن الإمام الصادق (عليه السلام): من اعجب بنفسه هلك ، ومن اعجب برأيه هلك .11 وإن عيسى بن مريم (عليه السلام) قال : داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله ، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله ، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه ! فقيل: يا روح الله ! وما الأحمق ؟ قال: المعجب برأيه ونفسه،الذي يرى الفضل كله له لا عليه ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته.12
والقران الكريم قد ضرب لنا نماذج وأمثلة كثيرة في خصوص هذا المرض وإبليس اللعين هو احد هذه العينات التي اصابها العجب حيث كان يرى الكمال كل الكمال في اصل خلقته النارية دون عداها والنظر الى نفسه بالشموخ والاستعلاء ولأدم بالدونية فلذا لم يستطع استيعاب وتقبل الخلقة الطينية الادمية وعلاوة على ذلك ان تكون لها الاسبقية والأفضلية عليها ، فأعلن الحرب الضروس على آدم وذريته الى يوم يبعثون قال تعالى حاكيا عن ابليس (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) .13
فإذن هذه العقيدة المريضة وهي الاعجاب بالنفس اوصلت المخلوق الى الهلاك والاستبعاد والهبوط ولعل المرء يغفل عن هذه النتائج المخيفة بسبب فقدان نور المعرفة وتعلعل القلب بمرض الكبر والانا ولذا ورد التأكيد بضرورة الوقوف على النفس بدقة والبحث عن الامراض والنواقص لقلعها وتطهير القلب من تلك القاذورات خشية الوقوع في المهالك التي لا منجى منها فعن علي عليه السلام : العجب هلاك )1 وقال سلام الله عليه (شر الناس من يرى أنه خيرهم .14
ثم ان الاعجاب بالنفس له عناوين عديدة وتفرز امراضا وسموما كثيرة فالذي يعجب بكثرة ماله وثروته وغناه قد يستنكف جملة منهم عن مجالسة الفقراء ومحادثتهم وإلقاء التحية ومصاهرتهم وفي البحار ينقل رواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل موسر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله نقي الثوب فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ) فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أخفت أن يمسك من فقره شي ؟ قال : لا ، قال : فخفت أن يصيبه من غناك شئ ؟ قال : لا ، قال : فخفت أن يوسخ ثيابك ؟ قال : لا ؟ قال : فما حملك على ما صنعت ؟  فقال : يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن وقد جعلت له نصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للمعسر : أتقبل ؟  قال: لا، فقال له الرجل: لم ؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك. 15
 وقد يتوفق العبد للطاعات والعبادات من المناجاة والأذكار والأوراد وصلاة الليل والنفقة وصلة الارحام وبر الوالدين وما شابه ذلك فيشعر انه مميز بين اقرانه بما نال من حظوة العبادة والعمل الصالح فيستدرج من قبل الشيطان الملعون فيلقي في روعه بسمو مقامه وعلو شانه فيصاب بعدوى الاعجاب فيّزل عن جادة الصواب فينظر الى غيره بالاستخفاف وقصر اليد عن نيل المراد وانه لا غير الاسطورة في الزلفة والقربة عند المليك المنان ودونه خرط القتاد .
وينقل المجلسي  في بحاره عن الإمام الصادق (عليه السلام) - إن عيسى بن مريم كان من شرائعه السيّح في البلاد ، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من أصحابه قصير ، وكان كثير اللزوم لعيسى (عليه السلام)، فلما انتهى عيسى إلى البحر ، قال : بسم الله بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء، فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى (عليه السلام) جازه: بسم الله بصحة يقين منه فمشى على الماء ولحق بعيسى (عليه السلام)، فدخله العجب بنفسه... فرمس في الماء ، فاستغاث بعيسى فتناوله  . 16
ان التدلل والابتهاج والإعجاب بالعبادة بمفهومها العام يوصل العبد الى الهلاك والتقهقر عن علي (عليه السلام): يدخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق ، فيخرجان من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق ، وذلك أنه يدخل العابد المسجد وهو مدل بعبادته وفكرته في ذلك ، ويكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه ، فيستغفر الله من ذنوبه .17
ولذا من الالطاف الالهية ان الله تعالى  يزوي عن عبده بعض الطاعات رحمة وشفقة به لئلا يدخله العجب فيفسد عمله وعاقبته كما يفسد الخل العسل فعن عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل (...وإن من عبادي لمن يجتهد في عبادتي وقيام الليل لي فالقي عليه النعاس نظرا مني له فيرقد حتى يصبح ويقوم حين يقوم وهو ماقت لنفسه ، زار عليها ، ولو خليت بينه وبين ما يريد لدخله العجب بعمله، ثم كان هلاكه في عجبه ورضاه عن نفسه ، فيظن أنه قد فاق العابدين ، وجاز باجتهاده حد المقصرين فيتباعد بذلك مني ، وهو يظن أنه يتقرب إلي ألا فلا يتكل العاملون على أعمالهم ، وإن حسنت ، ولا ييئس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم ، وإن كثرت ، لكن برحمتي فليثقوا ، ولفضلي فليرجوا ، وإلى حسن نظري فليطمئنوا ، وذلك أني ادبر عبادي بما يصلحهم، وأنا بهم لطيف خبير .18
 وان العبد مهما بلغ رتبة ومنزلة في العبادة والمعرفة فهو عاجز عن الوصول الى  مرتبة حق العبودية وأداء شكر المنعم فالرسول الاكرم صلى الله عليه واله مع علو منزلته يعترف قائلا الهي (ما عبدناك حق عبادتك ، وما عرفناك حق معرفتك19
فان الاعتراف بالتقصير والعجز امام نعم الله وكرمه يكسر جماح النفس ويلوي ذراع الشيطان ، وان استدامة ذم العبد لنفسه على ما فرط في طاعة ربه وعن اداء شكره هو خير سبيل وطريق لنزول العناية والرحمة الالهية .
فعن الإمام الرضا (عليه السلام): إن رجلا كان في بني إسرائيل عبدَ الله تبارك وتعالى أربعين سنة فلم يُقبل منه ، فقال لنفسه : ما اوُتيت إلا منك ، ولا الذنب إلا لك ، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : ذمك نفسك أفضل من عبادة أربعين سنة .20
1- ميزان الحكمة ج6 ص 101
2- سورة ال عمران اية 159
3- سورة الشورى اية  38
4- غرر الحكم ص 200
5- نهج البلاغة 
6- غرر الحكم ج 1 ص 214
7-نفس المصدر
8-عدة الداعي
9- مفاتيح الجنان 
10- نفس المصدر
11- ميزان الحكمة ج  6 ص 93
12- نفس المصدر
13- سورة الاعراف اية 15
14- غرر الحكم ص  214
15- نفس المصدر
16- ميزان الحكمة ج 7 ص 267
17- ميزان الحكمة ج 6 ص 92
18- نفس المصدر 
19- التمحيص ص 56
20- مراة العقول ج 8 ص 146
21- ميزان الحكمة ج 6 ص 96


تعليقات

المتابعون

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حرز الامام الجواد عليه السلام هو نافع لدفع شر الجن والانس والحسد والشرور الكثيرة

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ قَاهِرَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ خَالِقَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ مَالِكَهُ كُفَّ عَنَّا بَأْسَ أَعْدَائِنَا وَ مَنْ أَرَادَ بِنَا سُوءاً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ أَعْمِ أَبْصَارَهُمْ وَ قُلُوبَهُمْ وَ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ حِجَاباً وَ حَرَساً وَ مَدْفَعاً إِنَّكَ رَبُّنَا لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ رَبَّنَا عَافِنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ‏ آخِذٌ بِناصِيَتِها وَ مِنْ شَرِّ مَا يَسْكُنُ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَ إِلَهَ الْمُرْسَلِينَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجْمَ

احاديث اهل البيت في النفاق

نقلا عن كتاب ميزان الحكمة لريشهري   الإمام علي (عليه السلام) : النفاق يفسد الإيمان .  عنه (عليه السلام): النفاق أخو الشرك. - عنه (عليه السلام): النفاق توأم الكفر ). -  رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن النفاق يبدو لمظة سوداء، فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب . النفاق شين الأخلاق  -  الإمام علي (عليه السلام) : النفاق شين الأخلاق. - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا، وباطنا منافقا! . - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين! . - عنه (عليه السلام): الخيانة رأس النفاق . علة النفاق    الإمام علي (عليه السلام) : نفاق المرء من ذل يجده في نفسه . - عنه (عليه السلام): النفاق من أثافي الذل . - عنه (عليه السلام):  الكذب  يؤدي إلى النفاق . صفة  المنافق   -  الإمام علي (عليه السلام) :  المنافق  لنفسه مداهن، وعلى الناس طاعن . - عنه (عليه السلام):  المنافق  قوله جميل، وفعله الداء الدخيل . - عنه (عليه السلام):  المنافق  لسانه يسر، وقلبه يضر . - عنه (عليه السلام):  المنافق  وقح غبي، متملق شقي . - عنه (عليه السلام):  المنافق  مكور مضر

دُعاء القدحِ عظيمُ الشأنِ مكتوب

  دُعَاءُ الْقَدَحِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ وَ بِاسْمِهِ الْمُبْتَدَإِ رَبِّ الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى لَا غَايَةَ لَهُ وَ لَا مُنْتَهَى رَبِّ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ. لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ. وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفىٰ اللَّهُ عَظِيمُ الْآلَاءِ دَائِمُ النَّعْمَاءِ قَاهِرُ الْأَعْدَاءِ [رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ] عَاطِفٌ بِرِزْقِهِ مَعْرُوفٌ بِلُطْفِهِ عَادِلٌ فِي حُكْمِهِ عَالِمٌ فِي مُلْكِهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ رَحِيمُ الرُّحَمَاءِ- عَالِمُ الْعُلَمَاءِ صَاحِبُ الْأَنْبِيَاءِ غَفُورُ الْغُفَرَاءِ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَاحِدِ الْحَمِيدِ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَ سَابِقِ الْأَسْبَاقِ وَ رَازِقِ الْأَرْزَاقِ وَ خَالِقِ الْأَخْلَاقِ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ مُقَدِّرِ الْمَقْدُورِ وَ قَاهِرِ

بحث حول النفاق

النفاق : هو ان يظهر الانسان شيئا حسنا من عمل او فعل او قول بخلاف ما يضمره في باطنه فالمنافق له حالتان حالة ظاهرية توافقية مع الناس وحالة باطنية تغاير ظاهريته ، وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذا المعنى بقوله( ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا و باطنا منافقا 1 . وهذه الازدواجية في التعامل ناشئة من دواعي كثيرة في نفس المنافق سيأتي الحديث عنها لاحقا ان شاء الله تعالى . والنفاق تارة يكون في العقيدة كأن يظهر المنافق الإيمان بأصول الدين كالتوحيد والمعاد والنبوة ويظهر التزامه بفروع الدين كالصلاة والصوم ولكنه باطنه يخادع الله ورسوله والناس وما يخادع إلا نفسه قال تعالى ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) 2 وقوله تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ( 142 ) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا

بحث حول ( اهمية التوبة )

إن التوبة كالماء الذي ينزل من السماء على الارض الميتة فيكسوها الحياة بعد الممات وكذا القلب التائب بعد أن هيّأ ارضية قلبه -من خلال الندم والتوبة والاستغفار - بأن تكون خصبة صالحة للتطهير والتزكية ما ان تنهمر على قلبه سحائب الرحمة ومفاتيح الرأفة فتحي القلب بالحياة بعد الممات والنور بعد الظلمات واليقظة بعد الغفلة والسبات.  فالقرآن الكريم يِعدّ الغارق في مستنقع الذنوب والكنود انه ميت الأحياء وأنه في ظلمات ليس بخارج منها إلا بالأوبة والنزوع عن الحوبة قال تعالى ( أ َوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ . 1 فالتوبة هي رجوع العبد إلى دوحة الرحمة والعفو والغفران مما فرّط في حق ربه من الذنوب والعصيان ، وأن فتح باب التوبة أمام عباده العاصين وقبولها لهي من أعظم النعم والمنح النازلة من فيض رحمته الواسعة على عباده التائبين روي عن الإمام علي (عليه السلام): من تاب تاب الله عليه وأمرت جوارحه أن تستر عليه، وبقاع الأرض أن تكتم عليه، وأنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه 2 . وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سمعه معاوية بن وهب يقول : إذا تاب الع

بحث حول لقمة الحرام وتاثيرها على قلب المؤمن

لا شك ان هناك علائق وروابط بين الامور المادية والمعنوية بحيث نلاحظ تأثير أحدهما على الآخر فانشراح القلب وانبساطه عامل دفع ومحرك نحو العمل وضيق الصدر وقسوته وظلمته عامل مثّبط للعمل  . وكذلك الكلام في مسالة لقُمة الحرام وتاثيرها الفاعل في تلويث القلب وما لها من الآثار الوضعية على القلب بحيث يعمى القلب عن رؤية الحق واستماع للحق واتباع الحق ومثقلة للعبادات وسالبة للتوفيق   ومن الإشارات إلى هذه النكتة كلام الإمام الحسين عليه السلام مع جيش ابن سعد قبل أن يلتقي المعسكران قال سلام الله عليه ((... وَيْلَكُمْ ما عَلَيْكُمْ اَنْ تَنْصِتُوا اِلَيّ فَتَسْمَعُوا قَوْلي وَاِنَّما اَدْعُوكُم الى سَبيلِ الرَّشادِ فَمَنْ اَطاعَنِي كانَ مِنَ الْمُرْشَدِينَ وَمَنْ عَصانِي كانَ مِنَ الْمُهْلَكِينَ وَكُلُّكُمْ عاصٍ لأمري غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِقَوْلي قَدِ انْخَزَلَتْ عَطِيّاتُكُمْ مِنَ الْحَرامِ وَمُلِئَتْ  بُطُونُكُمْ مِنَ الْحَرام فَطَبعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيْلَكُمْ اَلا تَنْصِتُونَ اَلا تَسْمَعُونَ؟... تَبّاً لَكُمْ اَيَّتها الْجَماعَةُ وَتَرَحاً .  1 ولقد ضرب القرآن الكريم نموذجا عن المرابي الذي