قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ).
قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ).
في هذه الاية نلاحظُ جملةً من الامور :
اولا : ليس المال والبنون فقط هما زينة الحياة الدنيا فهناك الكثير من دونهما قال تعالى ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )ولكن ذُكر المال والبنون بالخصوص لان الايات السابقة كانت تتحدث عن صاحب الجنة الذي اغتر بماله وولده قال تعالى ( أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا .
ثانيا : ان الحياة الدنيا تتزّين بأجمل ما عندها من الزينة من المال والبنين .. لاخداع اهلها كالمرأة القبيحة التي تتزين بشتى الاصباغ والالوان والدهون والعطور لاجل الفات نظر الآخرين وجذبهم اليها وخداعهم بزينتها الكاذبة قال عز وجل (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ) وقال عز وجل ( وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) وقال سبحانه ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ) .
ثالثا : تقديم المال على البنين لانه اشد وقعا وتاثيرا في قلوب الناس وتميل اليه النفوس ومجاهدته اقوى قال سبحانه ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ) وقال تعالى ( قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ).
رابعا : ان المال والبنين وغيرهما يعدان زينة ومتاع الحياة الدنيا حال تغيرهما عن مسارهما الصحيح فالمال غير مذموم على إطلاقه قال تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ) فقد عد القران الكريم المال الموروث خيرا وقال سبحانه ( وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) فالله تعالى يمن على عباده بالانعام والبنين والجنات والانهار لانها خير وقال سبحانه على لسان ابراهيم وزكريا ( عليهما السلام) ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ .
خامسا : ان الدنيا تكون مذمومة عندما ُتجعل هدفا وغاية لنيل متعها ويعيش الانسان فيها الغفلة واللهو واللعب اما اذا جُعلت وسيلة وسبيلا للاخرة والتزود بالتقوى والعمل الصالح ومتجرا للطاعة ونيل الاخرة فلا شك حينها تكون ممدوحةً وتكون موجباتُ زينتِها من المال والبنين هُن نفسهن موجبات واسباب لطاعة قال تعالى ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) وقال علي عليه السلام (.. إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اِتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اَللَّهِ وَ مُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اَللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْيِ اَللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اَللَّهِ اِكْتَسَبُوا فِيهَا اَلرَّحْمَةَ وَ رَبِحُوا فِيهَا اَلْجَنَّةَ فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَ قَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَ نَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَ نَعَتْ نَفْسَهَا وَ أَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا اَلْبَلاَءَ وَ شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى اَلسُّرُورِ رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَ اِبْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيباً وَ تَرْهِيباً وَ تَخْوِيفاً وَ تَحْذِيراً فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ اَلنَّدَامَةِ وَ حَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ..الخ .
سادسا : وان متعها وزينتها مهما قلّت او كُثرت مصيرها الى الفناء والاندثار وتبقى التبعاتُ ملاصقةً وقرينةً توردُ صاحبَها الى الهلاك والبوار ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ )
واما الباقيات الصالحات فهي ايضا باقية ولكن عند من ؟ عند ربك ايها العبد الصالح ( خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ) مصونةً محفوظةً عند من لا تضيع عنده الودائع ومحفوفة بخير الثواب وخير الامل والمرجو قال سبحانه ( وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) وقال تعالى ( وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ) وقال عز وجل ( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) .
سابعا : قوله تعالى ( والباقيات الصالحات ) ان بقاء العمل الصالح دون احراقه واحباطه بالمعاصي والذنوب هي مسالة في غاية الاهمية وقد نُّبه عنها في الايات والروايات كقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ ) وقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) وقوله سبحانه ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) ان عمل الحسنة مسالة مطلوبة ومهمة ولكن الاهم مجيئها يوم القيامة مصونة من الاحباط بسبب الذنوب.
وعن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قال: " سبحان الله " غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: " الحمد لله " غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: " لا إله إلا الله " غرس الله بها شجرة في الجنة، ومن قال: " الله أكبر " غرس الله له بها شجرة في الجنة، فقال رجل من قريش: يا رسول الله إن شجرنا في الجنة لكثير! قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها وذلك أن الله عز وجل يقول: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم.
تعليقات