قال تعالى ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
قال تعالى ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) .
في هذه الآية الشريفة نلاحظُ عدةَ لطائف مفيدة :
الاولى : بما ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو واسطة التبليغ والفيض بين ربه وخلقه فيكون الخطاب موجها إلى حضرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لتبليغ تعاليم السماء وقد وردت الكلمة ( قُلْ ) في القرآن الكريم أكثر من( ٣٠٠ ) مرة
الثانية : قل : يا رسول الله للناس ( إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) .
الثالثة : نلاحظ في الآية المباركة الدّقة في عبارتها حيث نلاحظ فعلَ الأمر وهو ظاهر في الوجوب ( قل ) ثم التأكيد ب ( إِنَّ ) ثم الذي يبسط الرزق ويقدره هو ( ربي ) والرب الحقيقي هو الذي يدبر شؤون خلقه وفق علمه بما يصلحهم من خلال أحكامه وتعاليمه واضافة ( الياء المتكلم ) الى ( رب) فيها ايضا عناية جميلة ودقيقة فإن الذي يبسط ويقدر بما يصلحكم هو ربي لا الأرباب المتفرقة التي تعبد من دون الله ثم ( يبسط ويقدر ) حيث جاء الفعلان مضارعين اشعارا بان هذا التدبير الربوبي مستمر قال تعالى ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) .
الرابعة : البسط هو المد ضد القبض قال تعالى (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ) وقدر عليه أي ضيّق عليه ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أي ضيّق عليه في رزقه .
الخامسة : مجيء صفة ( رب ) دون غيرها من الصفات لأن المقام يتناول مسالة الرزق وبسطه وتقديره بين خلقه وهذه الأمور من شؤون الربوبية .
السادسة : قوله تعالى ( يبسط الرزق ) فيها تنبيهات مهمة لكافة الناس مع اختلافهم :
اولا : هذه الفقرة ترد على اليهود الذين زعموا أن يد الله مغلولة لا تستطيع بسط الرزق والانفاق والتدبير (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) .
ثانيا : ايها الناس ان الله تعالى هو الذي بيده أرزاقكم وهو الذي أنزل وبسط عليكم رزقه فما تملكونه من رزق فهو الذي ملككم إياه فلا تنسبوه إلى أنفسكم ولا تبخلوا به على غيركم وطلبوا رزقه من خلال السعي وشكروه لاستدامته وزيادته قال تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) وقال سبحانه ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) وقال عز وجل ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ) وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) .
ثالثا : ايها الناس ان التقدير في الرزق هو خير لكم ولمصلحتكم ولتمحيصكم فإبطاء الرزق ليس مدعاة أن تركنوا إلى الظلمة والمفسدين في الأرض فتخسروا اخرتكم من أجل حطام الدنيا .
السابعة : أن بسط الرزق وتضيقه ليس خاليا من الحكمة الالهية بل هو عين الحكمة والرحمة لأنه يناسب احوال وظروف العباد ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون قال تعالى ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وقال سبحانه ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) وقال عز وجل ( كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) .
فما اكثر الذين تغيّرت أخلاقهم وتصرفاتهم الحميدة الى أخلاق سيئة فتكبروا في الأرض بسبب المال وما أكثر الذين ينفقون أموالهم في المحرمات والمعاصي ويبخلون بها على الفقراء والمساكين وما أكثر الذين تركوا العبادات والجماعات وانشغلوا بجمع الأموال من حلها وحرامها ..الخ
الثامنة : أن التوسعة في الرزق وتضيقه لا يعدان معيارا للتفاضل بين الناس ولا هو كاشف عن الرضا او السخط الالهي فان الاغنياء والفقراء كلهم في بوتقة الاختبار بل الميزان لتفاضل
هوالتقوى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم ) .
فما أكثر الفقراء الذين كانوا اليد الضاربة والمعينة لطغاة والظلمة على مر التاريخ وما أكثر الأغنياء الذين أعانوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وفي الجهة المقابل نجد العكس فكم من فقير اعانَ وصبرَ وكم من غني طغى وسخطَ وتجبر .
التاسعة : ان الرزق الالهي هو اعم من الرزق المادي فالآية كأنما تخاطب وتحاكي أهل القرب وطلّاب المعرفة فان الرزق المعنوي هو تعالى يبسطه ويقدره حسب الحكمة والرحمة فالله سبحانه عالم بظرف العبد ومدى لياقته واستعداده قال تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا .
العاشرة : على المؤمن ان يشكر ربه حال الغنى والفقر ويحسن الظن بربه حال التقدير والتقدير في الرزق لا ينافي السعي في طلب الرزق .
تعليقات