التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

بحث حول ( اهمية الخشية في حياة المؤمن )




الخشية: هو الخوف قلبي من الله تعالى المقرون بالعظمة والإجلال له تعالى .
إن الخوف والخشية من الله تعالى ومن أهوال يوم القيامة ونار جهنم من اهم وابرز الدوافع و المحركية نحو الطاعة والعمل الصالح ، ومن أهم العوامل لانزجار النفس عن المعاصي ، وهذه الفضيلة الشريفة لا تنافي مسالة عبادة الاحرار التي ذكرها المعصومون (سلام الله عليهم اجمعين ) في أحاديثهم فهم عبدوا الله تعالى عبادة الاهلية والاحرار ولم تك عبادتهم عبادة العبيد والتجار ولكنهم سلام الله عليهم مع عبادتهم الخالصة لله سبحانه من الأغراض الدنيوية والاخروية فالخوف من عذاب الاخرة لا يزايل ولا يفارق قلوبهم وهذا ما ذكره القران الكريم على لسان اهل البيت عليهم السلام قال تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا )1.
فالخوف والخشية  منه سبحانه من مسائل التي حثَّ عليها المولى تعالى في كتابه الكريم في آيات عديدة كقوله تعالى(رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ )٢وقوله تعالى (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) ٣
اذاً إن من أعظم المنن الإلهية أن يتوفق العبد لتحصيل الخشية في ساير عباداته وتحركاته وذلك من خلال قوة الإيمان بالله واليوم الآخر قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
فالخشية هي صمام أمان للعبد أمام تجاسر النفس الامارة بالسوء لاقتحام الموبقات والمحرمات في السر والعلن ، وتوجد قصة فيها العبرة لا بأس بذكرها :
قصة الميرداماد :
 كانت بنت الأمير - في إحدى المقاطعات الإيرانية - عائدة إلى بيتها في وقت متأخر نسبياً في ليلة شتائية باردة، عندها صادفت في طريقها مدرسة دينية، ففكّرت أن تلجأ إليها حتى الصباح، طلباً للأمان - فربما ضلّت الطريق أو تفرقت عنها صاحباتها وربما كانت مضطربة بسبب أوضاع خاصة - ولم يكن في المدرسة في تلك الليلة إلا طالب علم أعزب ينام في إحدى الغرف وحيداً فريداً.
طرقت الفتاة الباب وفوجئ الطالب بشابّة تطلب اللجوء حتى الصباح عنده وهي مطمئنة إليه لكونه طالباً في مدرسة دينية.
وهذا يكشف عن عظم مسؤولية علماء الدين وطلبة العلوم الدينية، لأن الناس يضعون فيهم كامل ثقتهم ولا يحتملون صدور الخطيئة منهم.
أدخلها الطالب حجرته الوحيدة ونامت آمنة مطمئنة حتى الصباح، ثم غادرت إلى بيت أبيها الأمير. وعندما سألها عن مكان مبيتها البارحة حكت له القصة. فشكّ الأمير وأرسل خلف طالب العلم ليحقق معه، وتبيّن له بعد ذلك أن هذا الطالب منعه تقواه من أن يتكلم معها فضلاً عن أن يدنو منها أو يقوم بلمسها!
وعندما أراد الأمير أن يشكر الطالب اكتشف أن إحدى أصابعه محروقة حديثاً فسأله عن السبب فقال: تعلم أني شاب وأعزب واتفق أن نامت في غرفتي ابنتك وهي امرأة شابة ولم يكن معنا أحد غيرنا، فأخذ الشيطان يوسوس لي، فخفت أن أفشل في مقاومته، فكانت في غرفتي شعلة نفطية، فبدأت أقرّب إصبعي من النار كلّما وسوس لي الشيطان (وقديماً قيل: والجرح يُسكنه الذي هو ألم) فصرتُ أسكّن ألم الشهوة بألم الاحتراق وبقيت هكذا إلى الصباح حتى نجّاني الله من الوقوع في فخّ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
وعندما سمعت الفتاة ذلك قالت: هو كذلك، لأني كنت أشمّ رائحة شواء، ولم أكن أعلم أن هذا المسكين إنما يشوي إصبعه!
وقيل : إن الأمير زوّجها إياه بعد ذلك لما رأى من جلده وتقواه. وإنه أحد علمائنا الأعلام وهو المعروف بـ «ميرداماد» أي صهر الأمير.
اذا فهذه الملكة الشريفة إنما تبلورت في القلب المؤمن لتفاعله الايماني بعالم الغيب وخوفه من دقة الحساب وشدة العقاب قال تعالى (.. وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث منجيات... خوف الله في السر كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك
فهناك فارق كبير وبون واسع بين شخص لا يتورع عن انتهاك المحرمات وارتكاب ابشع الجرائم الانسانية وبين شخص يتحاشى عن إيذاء نملة  !! وهذا التباين منشأه هو وجود الإيمان في قلب الشخص او فقدانه ، وقوته وضعفه حال وجوده.
اذاً فالخوف من الله سبحانه يجعل العبد حذرا يقظا في سلوكه وأفعاله وتعامله مع من حوله، ومن جملة علائم المؤمن الخائف انه سائل عن دينه وأحكامه خشية الوقوع في المحذورات والشبهات فروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه
ومن سماته أنه وجل وفرق مما مضى من عمره ومما هو باق منه ينتابه الشعور بالخوف والوجل هل هو مأخوذ بجريرته وتقصيره أو مرحوم ومغفور له ؟ قال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)  ٨ وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه ، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ، وفي الشيبة قبل الكبر ، وفي الحياة قبل الممات فوالذي نفس محمد بيده  ما بعد الدنيا من مستعتب ، وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار
ان النظر الى ضعف الإنسان وعجزه في درء العقاب عن نفسه والنظر الى احتياجه الى قوة وعظمة تلبي حاجاته ، وتسد نواقصه، وترفع شأنه، ومن جهة اخرى الحذر والخوف من مكر الله واستدراجه قال تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ . ١٠وقال تعالى(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ )١١  وقال سبحانه   (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا  الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) ١٢ فجميع هذه الحقائق  تفيض هالة وخشية في قلوب العلماء الذين استناروا بنور العلم والحقيقة ولذا يصفهم الباري عز وجل بقوله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) ١٣.
وتوجد لأمير المؤمنين عليه السلام أشار الى ذلك بقوله عليه السلام (هَجَمَ بِهِمُ اَلْعِلْمُ  عَلَى حَقِيقَةِ اَلْبَصِيرَةِ وَبَاشَرُوا رُوحَ  اَلْيَقِينِ وَ ِسْتَلاَنُوا مَا اِسْتَوْعَرَهُ اَلْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا  اِسْتَوْحَشَ مِنْهُ اَلْجَاهِلُونَ وَصَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ  أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَلدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ .١٤
والإنسان إذا رجع إلى فطرته سيجد قلبه يتوجه الى قبلة واحدة لا غير وهي قبلة التوحيد المندكة في عبودية المولى عز وجل التي تنساق لها قبلة التوحيد -  القلوب الطاهرة التي لم تتلوث بالمعاصي والذنوب ولم تسلط على قلوبها خوف المخلوقين مهما تفرعنوا وتجبروا في الأرض . 
خشية العلماء:
( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )١٥والعلماء في الآية المباركة ليس المراد خصوص الفقهاء بل أعم من ذلك ، فالضابطة المستفادة من الآية الشريفة التي تصدق على عباده العلماء هي خشيتهم لله تعالى وليس المراد منها خصوص الفقيه !! لأن الخشية والخوف من خصائص القلب ، والعلوم النظرية كالفقاهة هي من حظوظ العقل.
وقد وصل الكثير من ذوي القلوب الطاهرة والمخلصة الى مرتبة عالية من الكمال والخشية مع أنهم ليسوا بفقهاء !! وما أكثر المغمورين في بلاد الله الواسعة الذين لا يعلمهم إلا الله تعالى !! نعم قد يتوفق العبد لكلا الأمرين أي أن يكون فقيها وعالما حسب المصطلح القرآني .
إذا فكل من يخشى الله تعالى  فهو عالم وإن لم يكن فقيها ، وإن كانت الخشية بين العلماء مفهوما مشككا تتفاوت قوة وضعفا وذلك حسب معرفتهم وقوة يقينهم واخلاصهم وغيرها من المميزات والفوارق فروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان بالله أعرف كان من الله أخوف. ١٦ وعن الإمام الباقر (عليه السلام): في حكمة آل داود: يا بن آدم ، أصبح قلبك قاسيا وأنت لعظمة الله ناسيا، فلو كنت بالله عالما وبعظمته عارفا لم تزل منه خائفا.1٧
وإذا استولت خشية الله على مجامع قلب العالم فلا يهاب ولا يخضع ولا يطأطئ رأسه لغير خالقه من الطواغيت والظلمة، وتنساق كل حركاته وسكناته وأفعاله نحو محور ومركز واحد وهي العظمة الاوحدية فلا يجاري سواها ولا يخشى عداها إنما يستمد شعاع القوة والنصرة منها لأنها جديرة بالتبعية والخضوع والاستسلام وتكون النفس عزيزة أبّية .
ولقد ضرب السحرة فرعون أروع المواقف في الإيثار حيث لم يؤثروا خوف فرعون على خوف الله تعالى ، وذلك حين بأن لهم الحق وعرفوا أن الله تعالى أولى بالانقياد والخشية من فرعون (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ١٨
اما القلوب التي ارهبها سوط السلطان وسطوة الطغاة والظلمة رضت بالذل والهوان والتسكع على ابواب الطغاة خشية من مكاره الاقدار أن تنالهم ، فلا مناص أن تلكم القلوب الخائفة والخانعة قد وجهت بوصلتها نحو عظمة مزيفة وهالة مصطنعة استسلمت لها قلوبهم الواجفة التي عميت عن رؤية الحق والهدى قال تعالى( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )١٩وقال سبحانه (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْية)٢٠ 
إن الخوف والخشية من الله تعالى من اجلّ النفائس الكريمة وهي رأس الحكمة فمن أتاها فقد أُوتي خيرا كثيرا قال تعالى ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ٢١وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأس الحكمة مخافة الله .٢٢
الخوف يلازم الإيمان  :
إن الخوف من لوازم الإيمان ومن الإشارات القرآنية على ذلك قوله تعالى(انَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )  ٢٣وقال تعالى : أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين .٢٤
ولكن الايمان امر نسبي قد يشتد وقد يضعف حسب الدرجة الاقبالية والادبارية من العبد تجاه ربه سبحانه فعن عبد العزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبد اللَّه الصادق (عليه السلام ): (( يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد: لست على شيء.. حتى ينتهي إلى العاشرة.. فلا تسقط من هو دونك، فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه مالا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمناً فعليه جبره )).٢٥
اذاً فإقبال العبد على الله تعالى يكشف عزوفه عن الدنيا وعن سعة ايمانه النوراني الذي ملئ كيانه كما عبّر النبي صلى الله عليه واله في حق عمار بن ياسر في مقولته المشهورة ( إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه. ٢٦وقد يضعف الايمان بدرجات متفاوتة كما بينه الامام سلام الله عليه حسب سلم الترتيبي .
 فقوة الإيمان تولد الخوف والخشية من الله تعالى وتمنع صاحبها من التوسل بالأسباب المحرمة والملتوية خشية استحقاق العقاب والعتاب ،ومهما عصفت الظروف والفتن لا ينقاد المؤمن الخائف إلا لربه ، فما أكثر ما سمعنا في التاريخ البشري أن خذلان الامم لأنبياء الله واوصيائهم والقادة المخلصين انما كانت بسبب استيلاء الخوف على انفسهم من بطش الظلمة والطغاة او الخوف والخشية على مصالحهم الدنيوية الآنية التي آثروها على خشية الله تعالى .
فالفرعنة القابعة على انفاس الناس في أغلب العصور والأمصار والتي استحكمت عليهم بزمام سطوتها بالقهر والغلبة إنما هي نتيجة الخوف المستولي على قلوب الناس.
 وإن بذل المُهجة وتوطين النفس للقاء المحبوب وإذعان لواعية المصلحين ونصرتهم لهي من أوضح علائم الخشية من الله تعالى و أنجع سبيل لمواجهة الطغاة والمردة !! بخلاف نصرة الباطل  وخذلان الحق وأهله لهي من شيمة الجبناء ، وسفالة الانفس ،وان خشية الخالق هي فضيلة وعزة ، وخشية المخلوق رذيلة وذلة وعار يلازم ذويه ما داموا ملازمين لخوف المخلوقين  .
 اذاً فخشية الله هي طاقة جبارة مضيئة فى قلوب الصالحين ينطلق من خلالها الفرد المؤمن نحو العالم الرحب بدءا من أدناها الى أعلاها ومن أضيقها إلى أوسعها لا تأخذه في الله لومة لائم .
وان اقتصار وتحديد الخشية لله وحده دون سواه هي من أوجب الواجبات والمسؤوليات في عهدة العبد ، وتحقيق هذا الأمر يكون بقوة إيمان العبد ويقينه ، وتمرين النفس وترويضها لتبعية المولى وطاعته ، وأن تعويد القلب على التصّبر في مجابهة الحوادث المؤلمة لهي من أعظم المسؤوليات المنوطة في ذمة العبد .
إذا فالوجل من الله تعالى والرهبة من سخطه قوة منع وزجر يستمد المؤمن منها الصلابة والعزة والإباء ، وحب الدنيا والإخلاد لها قوة جذب وغرور يسقط  في حبائل خدعها من لا حظ له من الخشية والرهبة من الله تعالى.
 اذا احبتي : ان القلب المؤمن يجب لا يخشى ولا يهاب سوى خالقه وواجده الذي بيده مصائر العباد وخيرات البلاد ، ولا ينساق خلف الظلمة والطغاة  خشية سطوتهم وغطرستهم  .
ومن أروع ما قاله الإمام الحسين ( عليه السلام )  حينما طلب يزيد بن معاوية البيعة منه ( ألا وإن الدعي  ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ٢٧ومن دعاء عرفة لسيد الشهداء عليه  السلام (اَللّهُمّ اجْعَلْني اخشاك كأني اراك واسعدني بتقواك ) الهي ان رجائي لا ينقطع عنك وان عصيتك كما أن خوفي لا يزايلني وان اطعتك٢٨  
                     
الخشية من الفقر والحاجة:
ان الفقر والحاجة أمرٌ يأخذ بمضاجع الكثير ويذهل لبُابَ قوم آخرين ويجلب الهموم لأصحابه ، وليس من الانصاف تهوين خطبه ولا تخفيف ثقله او تصغير حجمه فهو أمر عسير فروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : إن الفقر مذلة للنفس مدهشة للعقل جالب للهموم.٢٩
ولكن مع هذه العوارض المؤلمة لا يسوغ لذوي الفاقة والحاجة أو لمن يخشى الفقر في تقادم الأيام ان يتوسل بالأسباب المنافية للشريعة المقدسة ، فيقتحم حدود الله غير عابئ بالعواقب والنتائج المؤلمة التي يقدمها لنفسه بل لابد ان تكون خشية الله هي مقدمة على كل خشية فالله تعالى هو وحده المتكفل بأرزاق العباد قال سبحانه : وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم.٣٠
وان بلاء الفقر والحاجة هو لتمحيص إيمان العبد ولمعرفة مدى خوفه من الله سبحانه في الأمر الخارجي عند سغب المعيشة ، ولمعرفة مدى ثباته وقوته وتزلزله وضعفه أمام الشدائد والمحن ، ولرفع منزلته ومكانته عند الله سبحانه روي عن الإمام علي (عليه السلام): إن الله إذا جمع الناس نادى فيهم مناد : أيها الناس ، إن أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفا.٣١







١- سورة الإنسان آية ١٠
٢- سورة الانبياء آية ٤٩
٣- سورة الانفال آية ٢
٤- سورة النور آية ٣٧
٥- سورة الرعد آية ٢١
٦- ميزان الحكمة ج ١ ص ٨٢٤
٧- وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ١٦٢
٨- سورة المؤمنون آية ٦٠
٩- وسائل الشيعة ج ١٥ ص ٢١١
١٠- الاعراف آية ٩٩
١١- ال عمران اية ٢٨
١٢- سورة القلم آية ٤٤
١٣- سورة فاطر آية ٢٨
١٤- نهج البلاغة ج ٤ ص ٢٥
١٥- سورة فاطر آية ٢٨
١٦- ميزان الحكمة ج ٣ ص ١٢٦
١٧ - نفس المصدر 
١٨- سورة طه آية ٧٦
١٩- سورة التوبة آية ١٣
٢٠- سورة النساء آية ٧٧
٢١- سورة البقرة آية ٢١٩
٢٢- مشكاة الانوار ص ٩١
٢٣- ال عمران اية ١٧٥
٢٤- سورة التوبة آية ١٣
٢٥- شرح أصول الكافي ج ١٤ ص ١٨٠
٢٦- ميزان الحكمة ج ٢ ص ٢١٧
٢٧- الملهوف على الطفوف ص ١٤٣
٢٨- مفاتيح الجنان 
٢٩- غرر الحكم ص ٢٤٧
٣٠- سورة التوبة ٢٨

٣١- ميزان الحكمة ج ٢ ص ١٢٥

تعليقات

المتابعون

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حرز الامام الجواد عليه السلام هو نافع لدفع شر الجن والانس والحسد والشرور الكثيرة

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ قَاهِرَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ خَالِقَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ مَالِكَهُ كُفَّ عَنَّا بَأْسَ أَعْدَائِنَا وَ مَنْ أَرَادَ بِنَا سُوءاً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ أَعْمِ أَبْصَارَهُمْ وَ قُلُوبَهُمْ وَ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ حِجَاباً وَ حَرَساً وَ مَدْفَعاً إِنَّكَ رَبُّنَا لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ رَبَّنَا عَافِنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ‏ آخِذٌ بِناصِيَتِها وَ مِنْ شَرِّ مَا يَسْكُنُ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ سُوءٍ وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَ إِلَهَ الْمُرْسَلِينَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجْمَ

احاديث اهل البيت في النفاق

نقلا عن كتاب ميزان الحكمة لريشهري   الإمام علي (عليه السلام) : النفاق يفسد الإيمان .  عنه (عليه السلام): النفاق أخو الشرك. - عنه (عليه السلام): النفاق توأم الكفر ). -  رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن النفاق يبدو لمظة سوداء، فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب . النفاق شين الأخلاق  -  الإمام علي (عليه السلام) : النفاق شين الأخلاق. - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا، وباطنا منافقا! . - عنه (عليه السلام): ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين! . - عنه (عليه السلام): الخيانة رأس النفاق . علة النفاق    الإمام علي (عليه السلام) : نفاق المرء من ذل يجده في نفسه . - عنه (عليه السلام): النفاق من أثافي الذل . - عنه (عليه السلام):  الكذب  يؤدي إلى النفاق . صفة  المنافق   -  الإمام علي (عليه السلام) :  المنافق  لنفسه مداهن، وعلى الناس طاعن . - عنه (عليه السلام):  المنافق  قوله جميل، وفعله الداء الدخيل . - عنه (عليه السلام):  المنافق  لسانه يسر، وقلبه يضر . - عنه (عليه السلام):  المنافق  وقح غبي، متملق شقي . - عنه (عليه السلام):  المنافق  مكور مضر

دُعاء القدحِ عظيمُ الشأنِ مكتوب

  دُعَاءُ الْقَدَحِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ وَ بِاسْمِهِ الْمُبْتَدَإِ رَبِّ الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى لَا غَايَةَ لَهُ وَ لَا مُنْتَهَى رَبِّ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ. لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ. وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفىٰ اللَّهُ عَظِيمُ الْآلَاءِ دَائِمُ النَّعْمَاءِ قَاهِرُ الْأَعْدَاءِ [رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ] عَاطِفٌ بِرِزْقِهِ مَعْرُوفٌ بِلُطْفِهِ عَادِلٌ فِي حُكْمِهِ عَالِمٌ فِي مُلْكِهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ رَحِيمُ الرُّحَمَاءِ- عَالِمُ الْعُلَمَاءِ صَاحِبُ الْأَنْبِيَاءِ غَفُورُ الْغُفَرَاءِ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَاحِدِ الْحَمِيدِ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَ سَابِقِ الْأَسْبَاقِ وَ رَازِقِ الْأَرْزَاقِ وَ خَالِقِ الْأَخْلَاقِ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ مُقَدِّرِ الْمَقْدُورِ وَ قَاهِرِ

بحث حول النفاق

النفاق : هو ان يظهر الانسان شيئا حسنا من عمل او فعل او قول بخلاف ما يضمره في باطنه فالمنافق له حالتان حالة ظاهرية توافقية مع الناس وحالة باطنية تغاير ظاهريته ، وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذا المعنى بقوله( ما أقبح بالإنسان ظاهرا موافقا و باطنا منافقا 1 . وهذه الازدواجية في التعامل ناشئة من دواعي كثيرة في نفس المنافق سيأتي الحديث عنها لاحقا ان شاء الله تعالى . والنفاق تارة يكون في العقيدة كأن يظهر المنافق الإيمان بأصول الدين كالتوحيد والمعاد والنبوة ويظهر التزامه بفروع الدين كالصلاة والصوم ولكنه باطنه يخادع الله ورسوله والناس وما يخادع إلا نفسه قال تعالى ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) 2 وقوله تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ( 142 ) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا

بحث حول ( اهمية التوبة )

إن التوبة كالماء الذي ينزل من السماء على الارض الميتة فيكسوها الحياة بعد الممات وكذا القلب التائب بعد أن هيّأ ارضية قلبه -من خلال الندم والتوبة والاستغفار - بأن تكون خصبة صالحة للتطهير والتزكية ما ان تنهمر على قلبه سحائب الرحمة ومفاتيح الرأفة فتحي القلب بالحياة بعد الممات والنور بعد الظلمات واليقظة بعد الغفلة والسبات.  فالقرآن الكريم يِعدّ الغارق في مستنقع الذنوب والكنود انه ميت الأحياء وأنه في ظلمات ليس بخارج منها إلا بالأوبة والنزوع عن الحوبة قال تعالى ( أ َوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ . 1 فالتوبة هي رجوع العبد إلى دوحة الرحمة والعفو والغفران مما فرّط في حق ربه من الذنوب والعصيان ، وأن فتح باب التوبة أمام عباده العاصين وقبولها لهي من أعظم النعم والمنح النازلة من فيض رحمته الواسعة على عباده التائبين روي عن الإمام علي (عليه السلام): من تاب تاب الله عليه وأمرت جوارحه أن تستر عليه، وبقاع الأرض أن تكتم عليه، وأنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه 2 . وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سمعه معاوية بن وهب يقول : إذا تاب الع

بحث حول لقمة الحرام وتاثيرها على قلب المؤمن

لا شك ان هناك علائق وروابط بين الامور المادية والمعنوية بحيث نلاحظ تأثير أحدهما على الآخر فانشراح القلب وانبساطه عامل دفع ومحرك نحو العمل وضيق الصدر وقسوته وظلمته عامل مثّبط للعمل  . وكذلك الكلام في مسالة لقُمة الحرام وتاثيرها الفاعل في تلويث القلب وما لها من الآثار الوضعية على القلب بحيث يعمى القلب عن رؤية الحق واستماع للحق واتباع الحق ومثقلة للعبادات وسالبة للتوفيق   ومن الإشارات إلى هذه النكتة كلام الإمام الحسين عليه السلام مع جيش ابن سعد قبل أن يلتقي المعسكران قال سلام الله عليه ((... وَيْلَكُمْ ما عَلَيْكُمْ اَنْ تَنْصِتُوا اِلَيّ فَتَسْمَعُوا قَوْلي وَاِنَّما اَدْعُوكُم الى سَبيلِ الرَّشادِ فَمَنْ اَطاعَنِي كانَ مِنَ الْمُرْشَدِينَ وَمَنْ عَصانِي كانَ مِنَ الْمُهْلَكِينَ وَكُلُّكُمْ عاصٍ لأمري غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِقَوْلي قَدِ انْخَزَلَتْ عَطِيّاتُكُمْ مِنَ الْحَرامِ وَمُلِئَتْ  بُطُونُكُمْ مِنَ الْحَرام فَطَبعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيْلَكُمْ اَلا تَنْصِتُونَ اَلا تَسْمَعُونَ؟... تَبّاً لَكُمْ اَيَّتها الْجَماعَةُ وَتَرَحاً .  1 ولقد ضرب القرآن الكريم نموذجا عن المرابي الذي