الحسد : هو تمني زوال النعمة من الغير وهو بلا شك من اشد الامراض القلبية على النفس فعن امير المؤمنين عليه السلام : لا داء كالحسد .1 وقال عليه السلام : الحسد شر الأمراض .2
والنعم المحسودة تشمل الأمور المادية كالغنى والجسم والجمال وتشمل الامور المعنوية كالمكانة والمنزلة الخصيصة عند الله تعالى والعلم والجاه والمنصب والنسب وغير ذلك وبعبارة مختصرة اوجزها نبينُا الخاتم صلى الله عليه واله ( ان كل ذي نعمة محسود) .3
ولذا امُرنا بالاستعاذة بالله تعالى من كيد الحاسد تحّرزا منه قال تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ... وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) 4
فالحسد امر وجودي وواقعي في عالم الامكان لو كان عدمياً لما امرَ سبحانه بالتعوذ منه دفعا من كيد الحاسدين ولكان امره عبثيا في حال عدمه .
ويدعمه ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بضرورة كتمان الحوائج سلامةً من الحسد بقوله(صلى الله عليه وآله): استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود .5
ولا ريب ان مرض الحسد لم يتأتَ من فراغ بل هناك موجبات ومقدمات ساهمت في ايجاده ومن تلكم الامراض هو الطمع وانعدام القناعة وعدم الرضا بما قسم المولى عز وجل لعباده .
ومن المعلوم ان النعم الالهية انما تُعطى وتُمنع حسب الحكمة والرحمة الالهية وان حكمته منزهة عن العبثية واللغوية عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قال الله عز وجل : (..إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفاقة، ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ، ولو أمرضته لأفسده ذلك..) .٦
و عنه (صلى الله عليه وآله): ألا ! لا تعادوا نعم الله قيل : يا رسول الله ! ومن الذي يعادي نعم الله ؟ قال: الذين يحسدون الناس .٧
اذاً ان رجاء العبد وأمله ورغبته يجب تكون منصبةً بما عند ربه سبحانه فهو المفضل والمكرم بالخيرات وفي نفس الوقت على العبد ان يكون زاويا -مبعداً- نظره وعينه بما عند الاخرين من النعم حتى لا يقع بمرض الحسد ، عن الإمام الصادق (عليه السلام): بينما موسى بن عمران يناجي ربه ويكلمه إذ رأى رجلا تحت ظل عرش الله فقال : يا رب من هذا الذي قد أظله عرشك ؟ فقال: يا موسى هذا ممن لم يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله .٨
وهذا المرض يكشف بوضوح ان الحاسد مبتلى بسوء الظن بربه وانه غير راضٍ وقانعٍ بما اعُطي من الرزق وانه ساخط لأمر الله في عباده فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل لموسى بن عمران : يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ،ولا تمدن عينيك إلى ذلك ، ولا تتبعه نفسك ، فإن الحاسد ساخط لنعمي ، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي . الحسود لا راحة له .٩
ان جسم الانسان اذا اُصيب بمرض ما فلا شك بان له مضاعفات كثيرة على صحة وسلامة البدن فضلا عن الامور العرضية التي تنال المريض كالآلام وفقدان الشهية وصعوبة النوم وكذا الحال بالنسبة لمرض الحسد فانه يرهق كاهل الحاسد ويسلب الراحة والهدوء من خلده فجذوة التمني في زوال تلكم النعم عند الاخرين مستعرة لا تبرد ولا يخفق لهيبها فهو دائم في عناء ونصب فعينه ترصد الصادرة والواردة لدى غيره من النعم فيرميها بسهام الحسد عن علي (عليه السلام): لا راحة لحسود. ١٠ وعنه (عليه السلام): لا يطمعن... الحسود في راحة القلب .١١ وعنه (عليه السلام):ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم.١٢
ثم ان الحسد احد حبائل ابليس المعلون يصطاد من تلوّث بعالم الطبيعة وتخّدر بها فيصبح صيدا سهلا وممكنا فعن الامام الصادق عليه السّلام : ان إبليس يقول لجنوده ألقوا بينهم الحسد والبغي فإنّهما يعدلان عن اللَّه تعالى الشرك .١٣
وقلنا في بحوث سابقة ان هناك سُنناً الهية لا تقبل التبّدل ومن تلك السنن هو مجازاة الباغي والمعتدي بفعله وظلمه قال تعالى (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) .١٤
فيما يخص موضوعنا وهو المرض الحسد فان وقوع الضرر في المحسود في محق نعمته فلا ريب ان الحاسد يتحمل تبعات كثيرة دنيوية وأخروية ومن تلك التبعات هو أكل لحسناته وإيمانه ومحق لدينه فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ألا ! إنه قد دب إليكم داء الامم من قبلكم وهو الحسد ، ليس بحالق الشعر ، لكنه حالق الدين .١٥وعنه (صلى الله عليه وآله): إياكم والحسد ، فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب . ١٦وعن الإمام الباقر (عليه السلام): إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب .١٧
ان الحسنات هي ثمرة جهد مضني قد بذل العبد ازائها الطاقة الجسدية والمالية فضلا عن بذل عمره الثمين حتى نال تلكم الحسنات وهذه الحسنات هي زاد العبد وذخيرته يوم ميعاده وان التفريط بها هو تفريط بحياته الابدية التي اليها مآله .
فهل يوجد عاقل يجلّ عقله ان يزهد باخرته بمحق دينه ويتعرض لسخط الله ومقته حتى يشعر المرء بالنشوة والراحة ويطفئ غليله بحسد الاخرين ؟
ومن العجيب لهذا الداء الخطير ان الحاسد يعد زوال النعمة عمّن حسده من الظفر والتوفيق والنعمة نازلة عليه فعن علي (عليه السلام): الحاسد يرى أن زوال النعمة عمن يحسده نعمة عليه .١٨
ولكن الحق خلاف ذلك فان الحاسد بهلاك نفسه بدأ!! لأنه فتح على نفسه العذاب والعقاب فعن علي(عليه السلام): لله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله.١٩
١- غرر الحكم ص ٢٠٧
٢- نفس المصدر
٣- ميزان الحكمة ج ٢ ص ٢٩٦
٤- سورة الفلق اية ٣
٥- نفس المصدر
٦- مسند الامام الرضا ص ١٢٢
٧- ميزان الحكمة ج ٢ ض ٢٩٤
٨- ميزان الحكمة ج ٢ ص ٢٩٥
٩- نفس المصدر
١٠- غرر الحكم. ٢٠٧
١١- ميزان الحكمة ج ٢ ص ٢٩٥
١٢- نفس المصدر ص ٢٦٨
١٣- نفس المصدر ٢٩٦
١٤- سورة الانعام اية ١٤٦
١٥- ميزان الحكمة ج ٢ ص ٢٩٢
١٦- نفس المصدر
١٧- نفس المصدر
١٨ نفس المصدر ص ٢٩٢
١٩- نفس المصدر
تعليقات