​هل يمكن الانتفاع من الإمام المهدي عليه السلام في غيبته؟

 ​​·  هل يمكن الانتفاع من الإمام المهدي عليه السلام في  غيبته؟

يعد هذا التساؤل الأكثر رواجا بين العامة والخاصة، قديما وحديثا، ومفاد هذا التساؤل:

انه إذا كانت الحكمة الإلهية اقتضت ان يغيب عن الامة امامها، سواء انكشف وجه حكمة من ذلك او لا، فهل ينتفع الناس منه في غيبته التي لا يعلم وقتها الا الله تعالى أو لا؟ وكيف ينتفع الناس منه وهم لا يرون شخصه؟ ولا يعرفون امره؟ ويجهلون مكانه ومقره؟

الجواب:

ان الامام المهدي (عليه السلام ) وفق عقيدتنا انه خليفة الله في ارضه ،وحجته على عباده ، وان خلافته يجب ان تكون منصوصة من قبل الله ولا يتدخل في جعلها احد غير الله سبحانه وقد اشرنا الى شواهد كثيرة على ذلك، وللزيادة في التوضيح نقول :

من الواضح ان الامامة ذات مقام رفيع، ولا ينالها الا ذو حظ عظيم من عباد الله المخلصين، وفي نفس الوقت ان المتقلد لهذه الامامة له ادوار ومهام كثيرة، وفي عنقه مسؤوليات جليلة، فلابد ان يتحلى بمزايا وامكانيات هائلة تفوق تصورنا، فالله سبحانه لا يقلد إماما على الناس من دون يجعل بين يديه قدرة وإرادة تكوينية يستطيع من خلالها إنجاز وظائفه الالهية في العالم.

فاذا كان وصي نبي الله سليمان (عليه السلام )  وعفريت من الجنة لهما القدرة والإرادة التكوينية في الإتيان بعرش بلقيس قبل ان يرتد طرف نبي الله سليمان (عليه السلام) او قبل ان يقوم من مقامه، فما المانع من إعطاء ذلك لخليفة الله في ارضه؟ قال تعالى)قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ( سورة النمل اية 40

واذا كان الخضر ) عليه السلام (يُؤتى من قبل الله تعالى العلم اللدني، فيحيط بأحوال الناس والملوك والخفايا المستقبلية ، وحتى ان نبي الله موسى ) عليه السلام ( على سمو قدره لم يحط بها خبرا قال تعالى )فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (سورة الكهف )65(وقال عزو جل { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ْ}سورة الكهف اية 6

اذاً فما الضير والمانع من إعطاء ذلك العلم لحجة الله في خلقه؟

وحينما جعل الله تعالى نبيه داوود (  عليه السلام) خليفة في الأرض ، وامره بان يحكم بين الناس بالعدل كما يقص علينا القران الكريم ذلك بقوله تعالى ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ( سورة ص اية 26

فهل تركه الله تعالى من دون ان يعضده بشيء؟، ام تفضل عليه بالإرادة والقدرة التكوينية حتى يستطيع ان يواجه لتحديات والصعوبات في زمانه، قال تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (سورة سبأ اية 10

كذلك هي سنة الله في اوليائه في كل زمان، فالإمام المهدي يعين الضعفاء، ويرعى مواليه ضد اعدائهم من النواصب، وينجد الغرقى، وطالبي الحق والبصيرة.

وفي نفس الوقت قد وردت روايات عديدة تذكر مسالة الانتفاع من الامام في غيبته، وان الغيبة لا تعجز او تمنع الناس من الانتفاع من بركة الامام ونجدته وتسديده وعونه.

فان ما فعله العبد الصالح بمعية نبي الله موسى ( عليه السلام ) من اعياب السفينة ،وقتل الغلام ، واقامة الجدار ، هو يصب في مصلحة الناس، ولكن لم يطّلع احدٌ بما فعله الخضر ، وليس بالضرورة ان يعلم الناس شيئا من ذلك ، ولكن المهم ان يؤدي وظيفته المنوطة به على اتم وجه ، ولذا قال حينما حان وقت الفراق بينه وبين موسى وبدأ بتأويل افعاله ) وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ( سورة الكهف اية 82 ( فهو يؤدي تكليفه المأمور به من قبل السماء.

واليك بعض الروايات التي تشير الى ذلك:

·  عن جابر الأنصاري أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه السلام في غيبته؟

فقال صلى الله عليه وآله: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب. ) [1]

عن إسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان: وأما علة ما وقع من الغيبة فان الله عز وجل يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "  إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فان ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى. )  2

·  عن الأعمش عن الصادق عليه السلام قال: لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.) [3]

وما خرج من التوقيع من الناحية المقدسة ) .نحن وإن كنا ناوين)ثاوين( بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء فاتقوا الله جل جلاله..   4 .

فلا ينبغي ان نقيس أولياء الله وخلفائه في ارضه كسائر الناس، فنبخس حقهم ومنزلتهم ومقامهم عند الله، وقد نهانا القران عن ذلك قال تعالى )وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ( سورة هود اية 85

وروي عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال : لاَ يُقاسُ بـآلِ مُحَمّدٍ صَلَّى‌ اللَهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن‌ هَذِهِ الاْمَّةِ أَحَدٌ( 5)

 

وناهيك ان وجود شخص الامام المهدي ) عجل الله فرجه( وان كان في حال غيبته هو بحد ذاته امان لأهل الأرض من الشدائد الكثيرة، فكما ان القران الكريم يصرح بان شخص النبي ) صلى الله عليه واله( واستغفار المؤمنين هو امان من العذاب الإلهي قال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . سورة الانفال )اية 33

فكذلك ان الامام الحجة هو امان لأهل الأرض من العذاب الإلهي.

1- بحار الانوار ج 52 ص 93

2- نفس المصدر السابق

3- نفس المصدر السابق

4- بحار الانوار ج 2 ص 323

5- نهج البلاغة ج 1 ص 30