· وجوب معرفة الامام
ان من اهم المباحث التي ينبغي ان تبحث في المسائل المعرفية والعقدية هي معرفة امام الزمان، لأن الامام يُنضّم شؤون العباد والبلاد، واليه يرجع المسلمون بعد وفاة النبي ) صلى الله عليه واله( في قضاياهم المختلفة.
فكل نبوة تخلفها امامة، والامامة مكملة لدور النبوة، لان النبي ليس مخلدا لامته، والأمة في احتياج مستمر في دينها ودنياها الى خليفة الله في الأرض.
والخلافة سنة جارية منذ ان خلق الله تعالى آدم ) عليه السلام( قال تعالى )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) [1]
فاذا لم يكن للمكلف امام يقتدي به سيضل عن الهدى، ويبقى متحيرا، وسعيه غير مقبول، ومات ميتة جاهلية، روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم ( 2) وعن امير المؤمنين )عليه السلام ( انه قال: ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضيئ بنور علمه (3 ) .
اذا لابد ان يكون للناس امام، لان الناس ملزمون بتباع الهدى وامر الله تعالى، والامام يدعو الى الهدى بأمر الله قال تعالى ) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ( ) [4]
والامام يجب ان يكون معصوما، والعصمة تعني ان يكون طاهرا من كل رجس وظلم وهوى، حتى يصيب الحق، ويحكم بالعدل، ويؤدي دين الله، ويكون مثالا وقدوة للناس قال تعالى)وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( 5) .
وقال عز وجل ) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ .(6)
فالعقل والفطرة السليمة يدعوان الى الاقتداء بالفاضل ومجانبة المفضول لان تقديم المفضول مع وجود الفاضل قبيح عقلا، فالجاهل والجبان لا يقدمان على العالم والشجاع.. الخ.
فاذا ما اردنا السفر في رحلة طويلة وشاقة فلكي نصل الى غايتنا من دون تيه وهلاك يلزمنا عقلا ان نكتري دليلا عارفا بالطريق حتى نتبعه، ونتجنب الجاهل خشية الهلاك قال تعالى ) أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( [7]( وروي عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عليه وعليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مات وليس له إمام من ولدي مات ميتة جاهلية، يؤخذ بما عمل في الجاهلية والاسلام (8 ).
روي عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلاَلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَلْمَانَ وَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَمِنَ اَلْمِقْدَادِ حَدِيثاً عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَى جَابِرٍ وَاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالاَ صَدَقُوا وَبَرُّوا وَقَدْ شَهِدْنَا ذَلِكَ وَسَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَإِنَّ سَلْمَانَ قَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً مَنْ هَذَا اَلْإِمَامُ قَالَ مِنْ أَوْصِيَائِي يَا سَلْمَانُ فَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنْهُمْ يَعْرِفُهُ فَهِيَ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ فَإِنْ جَهِلَهُ وَعَادَاهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنْ جَهِلَهُ وَلَمْ يُعَادِهِ وَلَمْ يُوَالِ لَهُ عَدُوّاً فَهُوَ جَاهِلٌ وَلَيْسَ بِمُشْرِكٍ .(9).
وروي عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من الله فإن سعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فتاهت ذاهبة وجائية يومها، فلما أن جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجاءت إليها، فباتت معها في ربضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بسرح قطيع غنم آخر فعمدت نحوها وحنت إليها، فصاح بها الراعي: الحقي بقطيعك، فإنك تائهة متحيرة، قد ضللت عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها، أو يردها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وهكذا يا محمد بن مسلم من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عادل أصبح تائها متحيرا إن مات على حاله تلك مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد إن أئمة الحق وأتباعهم على دين الله إلى آخره( .) [10]
فان الانسان مكلف بعبادة ربه، والعمل بطاعته، قال تعالى ) وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ( 11)
وان العمل لكي يكون مقبولا عند الله تعالى وينال رضاه، يجب ان يكون متوافقا مع الشريعة المقدسة قال تعالى ) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( [12]
وان الدين أيضا لكي يصاب ولا يزاغ عنه لابد من معرفته ولذا ورد عن امير المؤمنين )اول الدين معرفته ( فما اكثر الذين يعبدون الله في مشارق الأرض ومغاربها ولكنها عبادة لا عن معرفة .
فالمعرفة الدينية الصحيحة هي الأساس في قبول الاعمال، ولا أساس متين وصحيح، من دون معرفة حقة مسبقة.
وان من المعرفة اللازمة في أصول الدين بعد التوحيد هي النبوة ويتفرع منها الامامة.
فكما ان معرفة النبي واجبة كذلك معرفة الامام واجبة وكلاهما يهديان الى الحق والى عبادة الله تعالى ومن لم يعرفهما ضل ولم يعبد الله..
روي عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل و [لا] يعرف الامام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا. ) [13]
عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله إلى الناس أجمعين رسولا و حجة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فإن معرفة الامام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما ؟! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حق معرفتكم؟ قال: نعم أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا قلت: بلى، قال: أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلا اله عز وجل. .)`(14)
وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ذكر فيه غيبة القائم عليه السلام قال زرارة: فقلت: جعلت فداك فان أدركت ذلك الزمان فأي شئ أعمل؟ قال: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ( ) [15].
1- سورة البقرة اية 30
2- بحار الأنوار 23 ص 89
3- نهج البلاغة لابن ج 16 ص205
4- سورة السجدة اية 249
5-البقرة اية 124
6-- سورة ص اية 26
7-سورة البقرة اية 35
8-عيون اخبار الرضا) ع(219
9-بحار الانوار ج 23 ص 88
10- نفس المصدر السابق
11-سورة ال عمران اية 85
12-سورة الذاريات اية 56
13-الكافي ح 1 ص 181
14-مكيال المكارم ح 1 ص17
15-بحار الانوار ج 92 ص 326
تعليقات