إن الصلاة إنما تأخذ في تأثيرها الفعلي الإيجابي كاستمطار واستنزال سحائب الرحمة، والنظر بعين اللطف والود من رب العزة لمقيمها، وتكون مقبولة عنده سبحانه إذا ما أقيمت على وجه المطلوب.
ويُعد الخشوع في الصلاة من اظهر وأبرز اثار العبودية ومن أشرف سمات المؤمنين قال تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 1
ومما أوصى به الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال:
" يَا كُمَيْلُ: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَتَتَصَدَّقَ، الشَّأْنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ، وَعَمَلٍ عِنْدَ اللَّهِ مَرْضِيٍّ، وَخُشُوعٍ سَوِيٍّ، وَانْظُرْ فِيمَا تُصَلِّي، وَعَلَى مَا تُصَلِّي، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهِهِ وَحِلِّهِ فَلَا قَبُولَ )2. وروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام، قَالَ: «إِذَا كُنْتَ دَخَلْتَ فِي صَلَاتِكَ، فَعَلَيْكَ بِالتَّخَشُّعِ وَالْإِقْبَالِ عَلى صَلَاتِكَ؛ فَإِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخشوع زينة الصلاة.3
ولا شك أن صلاة الخاشع لا تتأتى عفويا بل متوقفة على إيجاد مقدمات وأسباب كثيرة التي تُهيئ ارضية القلب للخشوع في الصلاة ونذكر منها:
مقدمات للخشوع في الصلاة
اولا: ان يستشعر العبد في قلبه وعند قيامه للصلاة وفي جميع أحوالها عظمة من يقف بين يديه وأن الله جبار السماوات والأرض وانه تعالى مطلع على خطرات قلبه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. (4)
فإن هذه المعرفة الحقّة تورث في قلب المصلي حالة من الخشوع والخضوع وتنساق تبعاً معه جوارحه روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته، فقال: أما أ نَّهُ لَو خَشَعَ قَلبُهُ لَخَشَعَت جَوارِحُهُ،). 5
وقد كانت علامات الخشوع عند أهل البيت عليهم السلام عند قيامهم للصلاة وشروعهم فيها من أوضح الأمور كما نُقل عنهم، نذكر بعض الأحاديث تبركاً وتأسيّاً بهم، عن جعفر بن علي القمي: كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا قام إلى الصلاة تربّد وجهُه خوفا من الله تعالى.6
وعن عائشة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه .7
وعن جعفر بن علي القمي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ثوب مُلقى .8
خشوع الإمام علي (عليه السلام) روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): كان عليّ إذا قام إلى الصلاة فقال: * (وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض) * تغير لونُه، حتى يعرف ذلك في وجهه .9
وفي تفسير القشيري: أنه - أي عليّ (عليه السلام) كان (عليه السلام) إذا حَضَرَ وَقتُ الصَّلاةِ تَلَوَّنَ وتَزَلزَلَ ، فقيلَ لَهُ : ما لَكَ ؟ فيقولُ: جاءَ وقتُ أمانَةٍ عرضها الله تعالى على السماواتِ والأرضِ والجبالِ فَأبَينَ أن يَحمِلنَها وحَمَلَها الإنسانُ في ضَعفِي، فلا أدرِي اُحسِنُ إذا ما حَمَلتُ أم لا؟ ! .10
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أخذ في الوضوء يتغير وجهه من خيفة الله تعالى .11
أيضا - أنه - أي أمير المؤمنين (عليه السلام) - كان إذا دخل الصلاة كان كأنه بناء ثابت أو عمود قائم لا يتحرك، وكان ربما ركع أو سجد فيقع الطير عليه، ولم يطق أحد أن يحكي صلاة رسول الله إلا علي ابن أبي طالب وعلي بن الحسين (عليهما السلام) .12
خشوع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) - كانت فاطمة (عليها السلام) تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى .13
خشوع الإمام الحسن (عليه السلام) روي عن الإمام الحسين (عليه السلام): إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم.14
كان الحسن (عليه السلام) ... إذا فرغ من وضوئه تتغير لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن تتغير لونه .15
في كتاب اللؤلؤيات: كان الحسن (عليه السلام) ... إذا توضأ تغير لونه، وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: حق لمن وقف بين يدي ذي العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله .16
وكان (عليه السلام) إذا توضأ للصلاة وأخذ في الدخول فيها اصفر وجهه وتغير لونه، فقيل له مرة في ذلك، فقال: إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم. 17
محمد بن طاووس: كان (عليه السلام) إذا شرع في طهارة الصلوات اصفر وجهه وظهر عليه الخوف .18
خشوع الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) - محمد بن طاووس: كان (عليه السلام) إذا شرع في طهارة الصلوات اصفر وجهه وظهر عليه الخوف .19
وكان (عليه السلام) إذا توضأ للصلاة وأخذ في الدخول فيها اصفر وجهه وتغير لونه، فقيل له مرة في ذلك، فقال: إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم.20
ثانيا: ان يستشعر العبد في حال صلاته ضعفه وفقره ومسكنته فعَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السَّلام) أنه قَالَ:
... وَحَقُّ الصَّلَاةِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا وِفَادَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْتَ فِيهَا قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ قُمْتَ مَقَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ الرَّاغِبِ الرَّاهِبِ الرَّاجِي الْخَائِفِ الْمُسْتَكِينِ الْمُتَضَرِّعِ الْمُعَظِّمِ لِمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَتُقْبِلَ عَلَيْهَا بِقَلْبِكَ وتُقِيمَهَا بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا.21
ثالثا صلاة مودع:
ان يصلي العبد صلاة مودع وذلك بأن يُلقّن المصلي نفسه ويفهمها بأن هذه آخر صلاة يصليها بين يدي ربه في دار الدنيا وأنه مأخوذٌ بعدها.
فإن هذا التلقين والأفهام والتفاعل معها يعطي دافعا قويا بالانقطاع الى الله سبحانه والتبتل والخشوع إليه.
عن محمّد بن عليّ بن الحسين صدوقِ الطائفة بإسناده عن عبد الله بن أبي يَعْفورٍ قالَ: قال أبو عبد الله عليه السلام: «يا عَبْدَ اللهِ إذا صَلَّيْتَ فَصَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ يَخافُ أَنْ لاَ يَعُودَ إلَيْهَا أبَداً، ثُمَّ اصْرِفْ بِبَصَرِكَ إِلَى مَوْضِعِ سُجودِكَ، فَلَو تَعْلَمُ مَنْ عَنْ يَمِينكَ وَشِمالِكَ لأَحْسَنْتَ صَلاَتَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَرَاكَ وَلاَ تَرَاهُ 22
رابعا حضور القلب:
أن حضور القلب في الصلاة يُعد الركيزة الأساسية لخشوع العبد في صلاته وبدونه تكون الصلاة جسدا بلا روح !! وكيف يُرتجى ان يخشعَ قلبُ عبدٍ في صلاة ، وقلبهُ ساهٍ في وادٍ آخر ؟ روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سئل عن الخشوع (التواضع في الصلاة، وأن يقبل العبد بقلبه كلّه على ربه.(23) وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنَّهُ قالَ: «لأُحِبُّ لِلرَّجُلِ المُؤْمِنِ مِنْكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَة فَرِيضَةٍ أَنْ يُقْبِلَ بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ وَلاَ يَشْغُلَ قَلْبَهُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، فَلَيْس مِنْ عَبْدٍ يُقْبلُ بِقَلْبِهِ فِي صَلاَتِهِ إِلَى اللهِ تَعالى إلاّ أَقْبَلَ اللهُ إلَيه بِوَجْهِهِ وَأَقْبَلَ بِقُلوبِ المُؤمِنينَ إلَيْهِ بِالمَحَبَّةِ بَعْدِ حُبِّ اللهِ إيَاهُ». (24) .
1- سورة المؤمنون آية 2
2- 2- بحار الأنوار ج 74 ص 417
3- الكافي ج 3 ص1- 4- ميزان الحكمة 2 ص 1622
2- 5- سورة الأنفال 24
6- 6- بحار الأنوار ج 81ص 228
1- 7- ميزان الحكمة 2 ص 1622
2- 8- سورة الأنفال 24
9- بحار الأنوار ج 81ص 2281
10- نفس المصدر السابق
2- 11- نفس المصدر
3- 12-نفس المصدر
1313 -نفس المصدر
1- 14 -نفس المصدر السابق
2- 15-نفس المصدر
3- 16-نفس المصدر
4- 17-نفس المصدر
18 18--نفس المصدر
1- 19-نفس المصدر السابق
2- 20- نفس المصدر
3- 21- رسالة الحقوق
1- 22- وسائل الشيعة
23- ميزان الحكمة ج 2 ص 1633
24- وسائل الشيعة
تعليقات