موانع حضور القلب
إذا ما أردنا الخشوع في الصلاة وقبولها واستنزال سحائب الرحمة لابد ان يكون القلب في الصلاة حاضراً وحياً وخاشعاً وقد وعى قبل ذلك فلسفة الصلاة وحقيقتها وأثرها وابعادها المعنوية والأخلاقية والدينية.
وفي نفس الوقت لابد من ازالة الموانع التي تحول دون حضور القلب في الصلاة ولذا تجد المصلي ما إن يشرع في صلاته حتى ينتهي منها وهو ساهٍ عنها لا يذكر ماذا قبل لحظاته!! لان قلبه كان يجول ويسرح في عوالم شتى.
فالبعض ليس المهم لديه أن يكون حاضر القلب في الصلاة ولكن المهم ان ينتهي من صلاته ويطوي سجادته ثم يعود إلى حياته الروتينية، وتعلقاته اليومية التي أفرط القلب في شغفها حُباً حتى آثرها على العبادة الحقيقية المرجوة.
فإذن هنالك عدة موانع وأسباب تؤدي إلى عدم حضور القلب في الصلاة والتي لابد من إزالتها نذكر منها:
اولا: قلة المعرفة (الجهل)
فان قلة المعرفة بقيمة ومكانة الصلاة والمُصلّى له سبحانه وتعالى تُضعف من إيمان الفرد وتجعله أقل انبعاثا ونشاطا واهتماما لأن الإيمان وليد المعرفة ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ ) وأن الصلاة كما ورد عن أهل البيت عليهم ( الصلاة عمود الدين ) . وروي عن الإمام علي (عليه السلام): من أتى الصلاةَ عارفاً بحقّها غُفر له.(1)
وبالتالي فإن الجهل وقلة المعرفة بفلسفة ومكانة الصلاة والاكتفاء بهذه الكيفية المعتادة في الصلاة، الخالية من حضور القلب فلن تحِرّك الشخصَ في تغيير حاله وسيبقى فاقد جوهر الصلاة وهو خشوع القلب بسبب قلة المعرفة.
فليس جُزافاً حينما أكدتْ الشريعةُ المقدسةُ من خلال خطاباتها على ضرورة طلب العلم لأنه يبُيّن حقائقَ الاشياء ويكشف عن أسرارها وبواطنها الصالحة والطالحة فينبعث المؤمنُ نحو فضائلِها بغيةَ الكمال والثواب، ويمسك عن رذائلِها خشية العقاب، ويبقى المغترُ بالدُنيا يتقهقر في مكانهِ وقد فوّتَ ما يعضُّ عليه الأناملَ غداً حسرةً وندامة .
ثانيا: الانشداد بالتعلقات الدنيوية
ان الفرد كلما ازداد تثبّتا وتعلّقا بحب الدُنيا ومتعها وشكلياتها فان قلبه لا يكاد ان ينجو ويتخلص في الصلاة من قبضتها، فتجد قلبَه في كل آنٍ في وادٍ يهيم لا يقرّ له حال ، حتى يصل به المطاف إلى نهاية الصلاة ولم يدرِ ما قال.
اما لو كان همّ المصلي هو الصلاة وتحصيل الكمال، وابتغاء وجه المتعال، ستكون حينها التعلقات الدنيوية هامشية، ولا قيمة لها، وتزول تدريجيا - بفضل المراقبة المستمرة - من خيال وقلب المصلي، ويبقى بيت القلب لصاحبه دون سواه ، يفيض عليه من تجلياته وسُبحاته ما يشاء. روي ) أن قلب المؤمن عرش الرحمن ( وروي أيضا في الحديث القدسي )لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن .(2)
ان الاهتمام بقيمة الصلاة ومكانتها، وضرورة التعرض الى نفحاتها الروحية، تجعل العبد يهتم بمراقبة قلبه، ويستشعر عظمة ربه ، فكلما سها وغفل قلبه عن الصلاة ارجعه ، ووجهه نحو معبوده حتى بفيض عليه من لطفه.
ان الخواطرَ التي تنهالُ على قلبِ العبدِ في الصلاة تكادُ لا تنتهي لحظةً وإذا ما بقي المصلي طِوال عُمره على هذا المنوال سيخرج من الدنيا وهو لم يستفد شيئا من لطائف وفيوضات الصلاة لأنه لم يعِ قيمةَ الصلاة أو لم يُبالِ ويكترث بما تؤول اليه هذه النتائج الخطيرة ولم يسعَ جاهدا في مراقبةِ خياله وقلبه من الغفلة والسهو أثناء الصلاة.
ان الانسان اذا كان في محضر ملك من ملوك الدنيا وكان الملكُ كريما وصاحب سطوة وجبروت فإنه سيكون متوجهاً إليهِ بكل وجوده وفكره ، ومذهولا عن غيره ، طمعا في كرمه وخوفا من عقابه .
وإذا ما أراد المرء الكلام في محضر الملك فإنه سينتابه خوفٌ واضطرابٌ وسيراقب كلماته، ويعي ويتدبر ما يريد ان يقول، حتى ينال رضاه، ويتجنب سخطه وسطوته.
بينما انا المسكين لا ينتابني هذا الشعور والاحساس في محضر الله مالك الملوك وجبار السماوات والارض وما ذلك إلا لضعف إيماني!
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنه قال: «إِذَا قَامَ الْعَبْدُ إِلَى الصَّلاةِ فَكَانَ هَوَاهُ وَقَلْبُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى انْصَرَفَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّه» … 3
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّي لَاُحِبُّ للرجُلِ مِنكُم المؤمنِ إذا قامَ في صلاةٍ فَريضَةٍ أن يُقبِلَ بقَلبِهِ إلى اللَّهِ ولا يَشغَلَ قَلبَهُ بأمرِ الدنيا، فليسَ مِن مؤمِنٍ يُقبِلُ بِقَلبِهِ في صلاتِهِ إلى اللَّهِ إلّا أقبَلَ اللَّهُ إلَيهِ بوَجهِهِ، وأقبَلَ بقُلوبِ المؤمنينَ إلَيهِ بالمَحَبَّةِ لَهُ بعدَ حُبِّ اللَّهِ عَزّ َوجلَّ إيّاهُ ..(4)
ثالثا: كثرة المعاصي والذنوب
ان القلب الذي رانَ من كثرة المعاصي والذنوب كيف له ان يتجلى بالإشراق والخشوع في الصلاة؟ فإن الولوج في الفحشاء والمنكر دون اكتراث بالعواقب ودون خوف وحياء من الله سبحانه يحجب القلب عن التوجه الى المعبود ، بل في بعض الروايات تعد بعض المعاصي من موانع قبول الصلاة فلا تقبل صلاته على نحو المرجو إنما إسقاط فرض روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): مَنْ نَظَرَ إِلَى أَبَوَيْهِ نَظَرَ مَاقِتٍ وَ هُمَا ظَالِمَانِ لَهُ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً (5)وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنِ اغتابَ مُسلِماً أو مُسلِمَةً لَم يَقبَلِ الله تَعالى صَلاتَهُ ولا صِيامَهُ أربَعينَ يَوماً و لَيلَةً، إلاّ أن يَغفِرَ لَهُ صاحِبُهُ . (6)
1- ميزان الحكمة ج ٢ - الصفحة ١٦٢٨
2- البحار ج 55 ص 39
3- -ميزان الحكمة ج 2 ص 1629
4 -الأمالي للمفيد ص 15054
5- بحار الأنوار ج 71 ص 61
6- جامع السعادات ج 2 ص 234
تعليقات