من الواضح ان الأوامر والنواهي التي اُنيطت في عهدة الأولاد في برّ الوالدين لم تأت من فراغ واتفاق إنما هو قانون إلهي ومساوق لفطرة الإنسان وهو مجازاة المحسن بالاحسان فلما أمر الباري بوجوب الإحسان الى الوالدين لأنهما بذلا غاية الإحسان والتفاني بحق الأولاد لذا جاء التحضيض والحث على الإحسان كمسألة ضرورية قال تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن اية ٦٠.
ولا شك أن الإحسان بحقهما وبرهما له آثار عجيبة على الأولاد في التوفيق والتسديد الإلهي وان كان بر الوالدين في نفسه يحتاج الى توفيق وتسديد ولا بأس ان نذكر بعض الأحاديث عن أهل البيت ( عليهم السلام ) في خصوص بر الوالدين وكل حديث له أثر عظيم فطوبى لمن تعرّض ووُفّق له :
١- روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : "برّ الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحجّ والعمرة، والجهاد في سبيل الله" البحار ج 71 ص 85.
٢- وروي انه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طالبًا الجهاد بين يديه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ألك والدة؟" قال: نعم! قال صلى الله عليه وآله وسلم: "فالزمها، فإنّ الجنّة تحت قدمها".
٣- وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"
٤- روي عن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من سرّه أن يُمدّ له في عمره، ويُبسط رزقه، فليصل أبويه، وليصل ذا رحمه"
٥- وروي عن أحدهم عليهم السلام، أنّه قال: "وقّر أباك يطل عمرك، ووقّر أمّك ترى لبنيك بنين"
٦- عن داود بن كثير الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: "من أحبَّ أن يخفِّف الله عزّ وجلّ عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولا، وبوالديه بارّا، فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يُصبه في حياته فقرٌ أبدا" الامالي لشيخ الصدو ق ص 473
٧- روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم" البحار ج 68 ص 270
٨- روي عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من رجل ينظر إلى والديه نظر رحمة، إلّا كتب الله له بكلّ نظرة حجّة مبرورة" قيل: يا رسول الله، وإن نظر إليه في اليوم مائة مرّة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن نظر إليه في اليوم مائة ألف مرّة"
٩- وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح مُرضيًا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة.
١٠- روي عن الصادق عليه السلام قال: "ثلاثُ دعواتٍ لا يُحجبن عن الله: دعاء الوالد لولده إذا برّه، ودعوته عليه إذا عقّه، ودعاء المظلوم على من ظلمه، ودعاؤه لمن انتَصر له منه .
ومن القصص التي تذكر في بر الوالدين ما جاء في كتاب بحار الانوار( ١) عن ابن أبي عمير ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له ، وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديئا فلم ينعموا له ، فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ، ثم حمله إلى موسى عليه السلام ، فقال : يا نبي الله هذا ابن عمى فقد قتل ، فقال موسى عليه السلام : من قتله ؟ قال : لا أدري ، وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا ، فعظم ( * ) ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا : ما ترى يا نبي الله ؟ وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار ، وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكأن مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما ، وكره ابنه أن ينبهه وينغص عليه نومه فانصرف القوم فلم يشتروا سلعته ، فلما انتبه أبوه قال له : يا بني ماذا صنعت في سلعتك ؟ قال : هي قائمة لم أبعها ، لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن أنبهك وانغص عليك نومك ، قال له أبوه : قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك ، وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه وأمر موسى بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها ، فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى : " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " فتعجبوا وقالوا : " أتتخذنا هزوا " نأتيك بقتيل فتقول : اذبحوا بقرة فقال لهم موسى : " أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين " فعلموا أنهم قد أخطؤوا فقالوا : " ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر " والفارض التي قد ضربها الفحل ولم تحمل ، والبكر التي لم يضربها الفحل ، فقالوا : " ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها " أي شديدة الصفرة تسر الناظرين " إليها " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض " أي لم تذلل " ولا تسقي الحرث " أي لا تسقي الزرع " مسلمة لاشية فيها " أي لا نقطة فيها إلا الصفرة " قالوا الآن جئت بالحق " هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال : لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا ، فرجعوا إلى موسى عليه السلام فأخبروه فقال لهم موسى : لابد لكم من ذبحها بعينها ، فاشتروها بملء جلدها ذهبا فذبحوها ، ثم قالوا : يا نبي الله ما تأمرنا ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه قل لهم : اضربوه ببعضها وقولوا : من قتلك ؟ فأخذوا الذنب فضربوه به وقالوا : من قتلك يا فلان ؟ فقال : فلان ابن فلان ابن عمي الذي جاء به ، وهو قوله : " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون " .
تعليقات