قال تعالى( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .
في هذه الاية الشريفة جملة من الفوائد :
الاولى : بدا لهم أي ظهر وانكشف وبانَ لهم عملهم السيء بعدما كان مستورا في دار الدنيا قال تعالى ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) .
الثانية : أن الذي ظهر لكم من السيئات إنما هو من صنع أنفسكم وبما كسبت أيديكم فنحن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فما ترونه من السيئات ليس افتراءا وظلما منا بكم قال تعالى ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) وقال سبحانه ( هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) وقال عز وجل ( مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) .
الثالثة : ان السيئات والحسنات تظهر عيانا وحضورا امام اعينهم من دون تغيير أو تبديل شيئا فيها قال تعالى ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ).
الرابعة : حاق بهم أي أحاط بهم ونزل بهم العذاب قال تعالى ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) وقال سبحانه ( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
الخامسة : أن هذه الاحاطة السيئة التي شملتهم من كل جانب هي بسبب استهزائهم وسخرهم وتكذيبهم بتعاليم السماء وأحكامه التي جاء بها الانبياء من كل جانب سواء بالليل أو النهار في الحرب او السلم في السر او العلن في مكة او المدينة .. فحقّ عليهم حينئذ نزول العذاب قال تعالى ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وقال سبحانه ( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وقال تعالى( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ) .
السادسة : أن التدبر في قوله تعالى ( وبدا لهم ) فإن الذي يُبدي ويظهر لهم أمر مخيف وشديد يفاجئهم ولم يكن بالحسبان والتوقع قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) .
السابعة : أن الاستهزاء في قبال الجد فكل شخص لم يأخذ أحكام الله و تعاليمه واوامره ونواهيه والعقدية والاخلاقية بنحو الجد والحقيقة والامتثال والعمل فهو مستهزئ بها وإن ادعى خلاف ذلك فالمدار هو الانصياع والامتثال وليس الادعاء فما أكثر الذين يظلمون ويفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل ويعيثون في الأرض فسادا وظلما وهم يدعون الايمان بل يدعون هم حماة الدين والذابّين عنه ولكنهم واقعا شرار أهل الأرض قال تعالى (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ …وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكن لَّا يَشْعُرُونَ ) .
الثامنة : أن الاستهزاء مفهوم مشكك ومتفاوت بين الناس وهذا راجع الى ما يُستهزئ به ومقدار أهميته ومقدار تعاطي الشخص إزاءه فبعض يستهزئ بأصول الدين وآخر بفروعه واخر بمسائل الفروع وهكذا والعقاب مساوق ومساوٍ الاستهزاء والسخرية قال تعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) .
التاسعة : أن المستهزئين بآيات وتعاليمه هم من الجاهلين ونلاحظ أن نبي الله موسى عليه السلام يعوذ بالله أن يكون منهم قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) .
تعليقات