أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ
في هذه الوقفة السريعة نريدُ أن نلقيَ الضوءَ على مفردة ( دخرَ ) فقد وردت في أربعة مواضع من القرآن الكريم ولها عدة ُمعاني حسب موقع استعمالها في الآية .
اولاً : قوله تعالى ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
فهنا جاءت مفردة ( داخرين ) بمعنى الخضوع والسجود لله تعالى ، والظلالُ جمع ظل، فبزوغ الشمس وغروبها يؤثران في تُغّير الظل على اليمين والشمائل وهذه الحركة لها وظيفة يُعبّر عنها القرآن الكريم بالسجود لله تعالى ، فجميع المخلوقات لها ظلال وهذه الظلال هي ساجدة لله وهي منصّاعة لارادته التكوينية !!
وهذه الاية المباركة تريد تحريك وتفعيل وايقاظ عقول الكافرين والجاحدين لمسألة التوحيد بقوله تعالى ( او لم يروا ) أي يا رسول الله أو لم يعلموا ويروا تلك الآية التكوينية ويتفهّموها بعقولهم ؟! .
ثانياً: قوله تعالى ( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ (18) .
نلاحظ في هذه الاية المباركة ان مفردة ( داخرون ) جاءت بمعنى أذلاء صاغرين فحينما يبعث الله الكافرين الذين كانوا يجحدون ويستهزئون بالبعث والنشور ، فإنهم يبعثون اذلاء للأمر لله و صاغرين لأنهم استكبروا و استهزئوا بآيات الله تعالى قال تعالى ( قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ )
ثالثا : قوله تعالى ( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) .
وجاءت هنا مفردة ( داخرين ) بمعنى الإتيان الانصياع والخضوع القهري للارادة التكوينية الالهية في يوم القيامة والعرض على الله تعالى .
رابعا : قوله تعالى ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) .
وهنا كذلك جاءت مفردة ( داخرين ) بمعنى اذلاء صاغرين باعتبار ان العقاب من سنخ العمل فبما ان الكافرين كانوا يتكبرون على الله وآياته ويذلون المؤمنين كما قال الله تعالى عن فرعون ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وقوله تعالى ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) ، فإنهم سيلقون الصَغَار والمذلة يوم القيامة .
وان مفردة ( دخرَ ) وردت كثيرا في ادعية أهل البيت ( عليهم السلام ) والتي جاءت لتدل وتعبّر عن الذلة والاستكانة لربهم ( إِلَهِي أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً لَكَ، لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لَا ضَرّاً إِلَّا بِكَ، أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي، وَ أَعْتَرِفُ بِضَعْفِ قُوَّتِي وَ قِلَّةِ حِيلَتِي، فَأَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، ..الخ
تعليقات